وعلى قول المعتزلة بأن المراد بقوله :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ أنهم لا يدخلون النار ولا يقربونها، يبطل القول بأن جميع الناس يردون النار، ثم يخرجون إلى الجنة، فيجب التوفيق بينه وبين قوله :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾ [ مريم : ٧١ ] وقد تقدم.
قوله :﴿ وَهُمْ فِي مَا اشتهت ﴾ إلى قوله : وَيَتَلَقاهُك « كل جملة من هذه الجمل يجتمل أن تكون حالاً مما قبلها، وأن تكون مستأنفة، وكذلك الجملة المضمرة من القول العامل في جملة قوله :» هذا يَوْمُكُمُ « إذ التقدير : وتتلقاهم الملائكة يقولون هذا يومكم.
فصل
معنى ﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ أي : صوتها وحركة تلهبها إذا نزلوا منازل لهم في الجنة. والحس والحسيس : الصوت الخفي. ﴿ وَهُمْ فِي مَا اشتهت أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ ﴾ مقيمون كقوله :﴿ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس ﴾ [ الزخرف : ٧١ ] ﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر ﴾ النفخة الأخيرة لقوله تعالى :﴿ وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور فَفَزِعَ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض ﴾ [ النمل : ٨٧ ]. وقال الحسن : حين يؤمر بالعبد إلى النار. وقال ابن جريج : حين يذبح الموت وينادي يا أهل الجنة خلود فلا موت. وقال سعيد بن جبير والضحاك : هو أن تطبق جهنم، وذلك بعد أن يخرج الله منها من يريد أن يخرجه.
﴿ وَتَتَلَقَّاهُمُ الملائكة ﴾. أي : تستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يقولون ﴿ هذا يَوْمُكُمُ الذي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾. فإن قيل : أي : بشارة في أنهم لا يسمعون حسيسها؟
فالجواب : المراد منه تأكيد بعدهم عنها، لأن من قرب منها قد يسمع حسيسها فإن قيل : أليس أهل الجنة يرون أهل النار، فكيف لا يسمعون حسيس النار؟ فالجواب : إذا حملناه على التأكيد زال هذا السؤال.