وقرأ زيد بن عليّ بضم التاء وكسر الراء على أن الفاعل ضمير الزلزلة، أو الساعة وعلى هذه القراءة فلا بد من مفعول أول محذوف ليتمّ المعنى به، أي : وتُرِي الزلزلة أو الساعة الخلق الناس سكارى. ويؤيد هذا قراءة أبي هريرة وأبي زرعة وأبي نهيك « تُرَى النَّاسَ سُكَارَى » بضم التاء وفتح الراء على ما لم يسم فاعله ونصب « النَّاسَ »، بَنَوْه من المتعدي لثلاثة، فالأول قام مقام الفاعل وهو ضمير المخاطب، و « النَّاسَ سُكَارَى » هما الثاني والثالث.
ويجوز أن يكون متعدياً لاثنين فقط على معنى وتري الزلزلة أو الساعة الناس قوماً سكارى، ف « النَّاس » هو الأول و « سُكَارَى » هو الثاني وقرأ الزعفراني وعباس في اختياره « وترى » كقراءة أبي هريرة إلا أنهما رفعاً « النَّاسَ » على أنه مفعول لم يسم فاعله، والتأنيث في الفعل على تأويلهم بالجماعة. وقرأ الأخوان « سَكْرَى وَمَا هُمْ بِسَكْرَى » على وزن وصفه المؤنثة بذلك واختلف في ذلك هل هذه صيغة جمع على فعلى كمرضى وقتلى، أو صفة مفردة استغني بها في وصف الجماعة خلاف مشهور تقدم في قوله « أَسْرَى ». وظاهر كلام سيبويه أنه جمع تكسير فإنه قال : وقوم يقولون :« سَكْرَى » جعلوه مثل مَرْضَى. لأنهما شيئان يدخلان على الإنسان ثم جعلوا روبى مثل سكرى، وهم المستثقلون نوماً لا من شرب الرائب.
وقال الفارسي : ويجوز أن يكون جمع سَكِر كزَمِن وزَمْنَى، وقد حكي : رجل سكر بمعنى سكران، فيجيء سكرى حينئذ لتأنيث الجمع. قال شهاب الدين : ومن ورود سكر بمعنى سكران قوله :

٣٧٤٥- وَقَدْ جَعَلْتُ إِذَا مَا قُمْت يُثْقِلُني ثَوْبِي فَأَنْهَضُ نَهْضَ الشَّارِبِ السَّكِرْ
وكُنْتُ أَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ مُعْتَدِلاً فَصِرْتُ أَمْشِي عَلَى أُخْرَى مِنَ الشَّجَرْ
ويروى البيت الأول : الشارب الثمل. وبالراء أصح لدلالة البيت الثاني عليه.
وقرأ الباقون « سُكَارَى » بضم السين، وقد تقدم في البقرة خلاف، هل هذه الصيغة جمع تكسير أو اسم جمع. وقرأ أبو هريرة وأبو نهيك وعيسى بفتح السين فيهما، وهو جمع تكسير واحده سكران. قال أبو حاتم : وهي لغة تميم. وقرأ الحسن والأعرج وأبو زرعة والأعمش « سُكْرَى » « وَمَا هُمْ بِسُكْرَى » بضم السين فيهما. فقال ابن جني : هي اسم مفرد كالبشرى بهذا أفتاني أبو علي. وقال أبو الفضل : فُعلى بضم الفاء صفة الواحد من الإناث، لكنها لما جعلت من صفات الناس وهم جماعة أجريت الجماعة بمنزلة المؤنث الموحد.
وقال الزمخشري : وهو غريب. قال شهاب الدين : ولا غرابة فإن فعلى بضم الفاء كثير مجيئها في أوصاف المؤنثة نحو الرُّبَّى والحُبْلَى. وجوَّز أبو البقاء فيه أن يكون محذوفاً من سكارى وكان من حق هذا القارئ أن يحرك الكاف بالفتح إبقاء لها على ما كانت عليه وقد رواها بعضهم كذلك عن الحسن.


الصفحة التالية
Icon