قوله :﴿ وَمِنَ الناس مَن يُجَادِلُ فِي الله ﴾ الآية. في النظم وجهان :
الأول : أنه أخبر فيما تقدم عن أهل القيامة وشدتها، ودعا الناس إلى تقوى الله، ثم ميز في هذه الآية قوماً من الناس الذين ذكروا في الأولى وأخبر عن مجادلتهم.
الثاني : أنه تعالى بيَّن أنه مع هذا التحذير الشديد بذكر زلزلة الساعة وشدائدها، قال :﴿ وَمِنَ الناس مَن يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾.
قوله :« مَنْ يُجَادِلُ » يجوز أن تكون « مَنْ » نكرة موصوفة، وأن تكون موصولة، و « فِي اللَّهِ » أي : في صفاته، و « بِغَيْرِ عِلْمٍ » مفعول أو حال من فاعل « يُجَادِلُ » وقرأ زيد بن عليّ « وَيَتْبَع » مخففاً.
فصل
قال المفسرون : نزلت في النضر بن الحارث، كان كثير الجدل، وكان يقول : الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين، وكان ينكر البعث، وإحياء من صار تراباً، ويتبع في جداله في الله بغير علم كل شيطان مريد. والمَرِيد : المتمرد المستمر في الشر. يريد شياطين الإنس، وهم رؤساء الكفار الذين يدعون من دونهم إلى الكفر.
وقيل : أراد إبليس وجنوده، قال الزجاج المريد والمارد : المرتفع الأملس. يقال : صخرة مرداء، أي : ملساء. ويجوز أن يستعمل في غير الشيطان إذا جاوز [ حد ] مثله.
قوله :﴿ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ ﴾ قرأ العامة « كُتِبَ » مبنياً للمفعول، وفتح « أَنّ » في الموضعين. وفي ذلك وجهان :
أحدهما : أن « أَنَّه » وما في حيزه في محل نصب لقيامه مقام الفاعل، فالهاء في « عَلَيْه »، وفي « أَنَّه » تعودان على « من » المتقدمة. و « مَنْ » الثانية يجوز أن تكون شرطية، والفاء جوابها، وأن تكون موصولة والفاء زائدة في الخبر لشبه المبتدأ بالشرط، وفتحت « أن » الثانية، لأنها وما في حيزها في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره : فشأنه وحاله أنه يضله، أو يقدر « فَأَنَّه » مبتدأ والخبر محذوف أي : فله أنه يضله.
الثاني : قال الزمخشري : ومن فتح فلأن الأول فاعل كتب، والثاي عطف عليه.
قال أبو حيان : وهذا لا يجوز؛ لأنك إذا جعلت « فَأَنَّه » عطفاً على « أنه » بقيت « أنه » بلا استيفاء خبر، لأن « من تولاه » « من » فيه مبتدأة فإن قدرتها موصولة فلا خبر لها حتى تستقل خبراً ل « أَنَّه »، وإن جعلتها شرطية فلا جواب لها، إذ جعلت « فأنه » عطفاً على « أنه ». قال شهاب الدين : وقد ذهب ابن عطية إلى مثل قول الزمخشري فإنه قال : و « أنه » في موضع رفع ( على المفعول الذي لم يسم فاعله.