والأقرب أنها واردة في المشركين الذين انقطعوا إلى الرسول على وجه النفاق.
قوله :﴿ يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ ﴾. فيه عشرة أوجه، وذلك أنه إما أن يجعل « يَدْعُو » متسلطاً على الجملة من قوله :﴿ لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ ﴾ أو لا، فإن جعلناه متسلطاً عليها كان فيه سبعة أوجه :
الأول : أنّ « يَدْعُو » بمعنى يقول، واللام للابتداء و « من » موصولة في محل رفع بالابتداء، و « ضَرُّه » مبتدأ ثان، و « أَقْرَب » خبره، وهذه الجملة صلة للموصول، وخبر الموصول محذوف تقديره : يقول للذي ضره أقرب من نفعه : إله، أو إلهي، ونحو ذلك، والجملة كلها في محل نصب ب « يَدْعُو » لأنه بمعنى يقول، فهي محكية به. وهذا قول أبي الحسن وعلى ( هذا فيكون قوله :« لَبِئْسَ المَوْلَى » مستأنفاً ليس داخلاً في المحكي قبله، لأن الكفار لا يقولون في أصنامهم ذلك ). ( ورد بعضهم هذا الوجه بأنه فاسد المعنى ) إذ الكافر لا يعتقد في الأصنام أنَّ ضرّها أقرب من نفعها البتة.
الثاني : أنَّ « يَدْعُو » مشبه بأفعال القلوب، لأن الدعاء لا يصدر إلا عن اعتقاده وأفعال القلوب تعلق ف « يَدْعُو » معلق أيضاً باللام، و « لَمَنْ » مبتدأ موصول، والجملة بعدة صلة، وخبره محذوف على ما مر في الوجه قبله، والجملة في محل نصب كما يكون كذلك بعد أفعال القلوب.
الثالث : أن يضمن « يَدْعُو » معنى يزعم، فتعلق كما تعلق، والمعنى. والكلام فيه كالكلام في الوجه الذي قبله.
الرابع : أنَّ الأفعال كلها يجوز أن تعلق قلبية كانت أو غيرها، فاللام معلقة ل « يَدْعُو » وهو مذهب يونس، فالجملة بعده والكلام فيها كما تقدم.
الخامس : أن « يَدْعُو » بمعنى يسمي، فتكون اللام مزيدة في المفعول الأول، وهو الموصول وصلته، ويكون المفعول الثاني محذوفاً تقديره : يسمي الذي ضره أقرب من نفعه إلهاً ومعبوداً ونحو ذلك.
السادس : أن اللام مزالة من موضعها، والأصل : يدعو من لضره أقرب، فقدمت من تأخر. وهذا قول الفراء. ورد هذا بأن ما في صلة الموصول لا يتقدم على الموصول.
السابع : أن اللازم زائدة في المفعول به وهو « من » التقدير : يدعو من ضره أقرب، ف « من » موصولة والجملة بعدها صلتها، والموصول هو المفعول ب « يدعو » زيدت فيه اللام كزيادتها في قوله :« رَدِفَ لَكُمْ » في أحد القولين ورد هذا بأن زيادة اللام إنما تكون إذا كان العامل فرعاً أو تقدم المفعول. وقرأ عبد الله « يَدْعُو مَنْ ضَرُّهُ » بغير لام الابتداء، وهي مؤيدة لهذا الوجه. وإن لم نجعله متسلطاً على الجملة بعده كان فيه ثلاثة أوجه :
أظهرها : أن « يَدْعُو » الثاني توكيد ل « يدعو » الأول فلا معمول له، كأنه قيل :( يدعو يدعو ) من دون الله الذي لا يضره ولا ينفعه، فعلى هذا تكون الجملة من قوله ﴿ ذلك هو الضلال ﴾ معترضة بين المؤكد والمؤكد، لأن فيها تشديداً وتأكيداً، ويكون قوله :« لَمَنْ ضَرُّهُ » كلاماً مستأنفاً، فتكون اللام للابتداء، و « مَنْ » موصولة، و « ضَرُّهُ » مبتدأ، و « أقرب » خبره، والجملة صلة، و « لَبِئْسَ » جواب قسم مقدر، وهذا القسم المقدر وجوابه خبر للمبتدأ الذي هو الموصول.