قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين آمَنُواْ ﴾ الآية. لما قال :﴿ وَأَنَّ الله يَهْدِي مَن يُرِيدُ ﴾ [ الحج : ١٦ ] أتبعه ببيان من يهديه ومن لا يهديه. واعلم أن ( إن ) الثانية واسمها وخبرها في محل رفع خبراً ل « أن » الأولى قال الزمخشري : وأدخلت « إنَّ » على كل واحد من جزأي الجملة لزيادة التأكيد ونحوه قول جرير :

٣٧٥١- إنَّ الخَلِيفَة إنَّ اللَّهَ سَرْبَلَهُ سِرْبَالَ مُلْكٍ بِهِ تُرْجَى الخَوَاتِيم
قال أبو حيان : وظاهر هذا أنه شبه البيت بالآية، وكذلك قرنه الزجاج بالآية، ولا يتعين أن يكون البيت كالآية، لأن البيت يحتمل أن يكون ( إن الخليفة ) خبره ( به ترجى الخواتيم ) ويكون ( إنَّ اللَّهَ سَرْبَلَهُ ) جملة اعتراض بين اسم ( إنَّ ) وخبرها بخلاف الآية فإنه يتعين قوله :﴿ إِنَّ الله يَفْصِلُ ﴾ وحسن دخول « إن » على الجملة الواقعة خبراً لطول الفصل بينهما بالمعاطيف. قال شهاب الدين : قوله : فإنه يتعين قوله :﴿ إِنَّ الله يَفْصِلُ ﴾ يعني أن يكون خبراً. ليس كذلك، لأن الآية محتملة لوجهين آخرين ذكرهما الناس :
الأول : أن يكون الخبر محذوفاً تقديره : يفترقون يوم القيامة ونحوه، والمذكور تفسير له كذا ذكره أبو البقاء.
والثاني : أن « إن » الثانية تكرير للأولى على سبيل التوكيد، وهذا ماش على القاعدة وهو أن الحرف إذا كرر توكيداً أعيد معه ما اتصل به أو ضمير ما اتصل به، وهذا قد أعيد معه ما اتصل به أولاً، وهي الجلالة المعظمة فلم يتعين أن يكون قوله ﴿ إِنَّ الله يَفْصِلُ ﴾ خبراً ل « إنَّ » الأولى كما ذكر. واختلف العلماء في المجوس، فقيل : قوم يعبدون النار، وقيل : الشمس والقمر وقيل : اعتزلوا النصارى ولبسوا المسوح، وقيل : أخذوا من دين النصارى شيئاً ومن دين اليهود شيئاً، وهم القائلون بأن للعالم أصلان، نور وظلمة، وقيل هم قوم يستعملون النجاسات، والأصل : نجوس - بالنون - فأبدلت ميماً.
ومعنى ﴿ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة ﴾ أي : يحكم بينهم، ﴿ إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ أي : عالم بما يستحقه كل منهم، فلا يجري في ذلك الفصل ظلم ولا حيف.
قوله تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ ﴾ الآية. قيل المراد بهذه الرؤية العلم، أي : ألم تعلم، وقيل : ألم تر بقلبك. والمراد بالسجود : قال الزجاج : أنها مطيعة لله تعالى كقوله تعالى للسماء والارض ﴿ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ ﴾ [ فصلت : ١١ ]، ﴿ أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [ يس : ٨٢ ] ﴿ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله ﴾ [ البقرة : ٧٤ ]، ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ﴾ [ الإسراء : ٤٤ ]، ﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الجبال يُسَبِّحْنَ ﴾ [ الأنبياء : ٧٩ ]. والمعنى أن هذه الأجسام لما كانت قابلة لجميع ما يحدثه الله تعالى فيها من غير امتناع أشبهت الطاعة والانقياد وهو السجود.
فإن قيل : هذا التأويل يبطله قوله تعالى ﴿ وَكَثِيرٌ مِّنَ الناس ﴾، فإن السجود بالمعنى المذكور عام في كل الناس، فإسناده إلى كثير منهم يكون تخصيصاً من غير فائدة.


الصفحة التالية
Icon