٣٧٥٤- عَلَفْتُهَا تِبْناً ( وَمَاءً بَارِداً )... ٣٧٥٥- وَزَجَّجْنَ الحَوَاجِبَ والعُيُونَا... ﴿ والذين تَبَوَّءُوا الدار والإيمان ﴾ [ الحشر : ٩ ] فإنه على تقدير : وسقيتها ماء، وكحلن العيون، واعتقدوا الإيمان. قوله :« وَلَهُمْ مَقَامِعُ » يجوز في هذا الضمير وجهان :
أظهرهما : أنه يعود على « الذين كفروا »، وفي اللام حينئذ قولان :
أحدهما : أنها للاستحقاق. والثاني : أنها بمعنى ( على ) كقوله :« وَلَهُمُ اللَّعْنَة » وليس بشيء.
والوجه الثاني : أن الضمير يعود على الزبانية أعوان جهنم، ودل عليهم سياق الكلام، وفيه بعد. « مِنْ حَدِيد » صفة ل « مَقَامِعُ »، وهي مِقْمَعَة بكسر الميم، لأنها آلة القمع، يقال : قمعه يقمعه : إذا ضربه بشيء يزجره به، ويذله، والمقمعة : المطرقة، وقيل : السوط، أي : سياط من حديد، وفي الحديث « لَوْ وُضِعَتْ مِقْمَعَةٌ مِنْهَا في الأَرْضِ فَاجْتَمَعَ عَلَيْهَا الثَّقَلاَنِ ( مَا أَقَلّوهَا ) ».
قوله :« كُلَّمَا أَرَادُوا ». « كُلّ » نصب على الظرف، وتقدم الكلام في تحقيقها في البقرة، والعامل فيها هنا قوله :« أُعِيدُوا ». و « مِنْ غَمٍّ » فيه وجهان :
أظهرهما : أنه بدل من الضمير في « منها » بإعادة العمل بدل اشتمال كقوله :﴿ لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ ﴾ [ الزخرف : ٣٣ ]، ولكن لا بد في بدل الاشتمال من رابط، فقالوا : هو مقدر تقديره : من غمها.
والثاني : أنه مفعول له، ولما نقص شرط من شروط النصب جر بحرف السبب. وذلك الشرط هو عدم اتحاد الفاعل، فإن فاعل الخروج غير فاعل الغم، فإن الغم من النار والخروج من الكفار. واعلم أن الإعادة لا تكون إلا بعد الخروج، والمعنى : كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم فخرجوا أعيدوا فيها. ومعنى الخروج ما يروى عن الحسن : أن النار تضربهم بلهبها فترفعهم حتى إذا كانوا في أعلاها ضُرِبُوا بالمقامع فهووا فيها سبعين خريفاً.
قوله :« وَذُوقُوا » منصوب بقول مقدر معطوف على « أُعِيدُوا » أي : وقيل لهم :﴿ ذُوقُواْ عَذَابَ الحريق ﴾، أي : المُحْرِق مثل الأليم والوجيع. قال الزجاج : هو لأحد الخصمين، وقال في الخصم الآخر وهم المؤمنون :﴿ إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾.
قوله :« يُحَلَّوْنَ » العامة على ضم الياء وفتح اللام مشددة من حلاه يُحَلِّيه إذا ألبسه الحليّ. وقرئ بسكون الحاء وفتح اللام مخففة، وهو بمعنى الأول كأنهم عدوه تارة بالتضعيف وتارة بالهمزة. قال أبو البقاء : من قولك : أُحْلي أي : أُلبس الحلي هو بمعنى المشدد.
وقرأ ابن عباس بفتح الياء وسكون الحاء وفتح اللام مخففة، وفيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه من حَلِيَت المرأة تَحْلَى فهي حال، وكذلك حَلِيَ الرجل فهو حال، إذا لبسا الحلي ( أو صارا ذوي حليّ ).
الثاني : أنه من حَلِيَ بعيني كذا يحلى إذا استحسنه، و « من » مزيدة في قوله « من أساور » قال : فيكون المعنى : يستحسنون فيها الأساور الملبوسة ولما نقل أبو حيان هذا الوجه عن أبي الفضل الرازي قال : وهذا ليس بجيد، لأنه جعل حلي فعلاً متعدياً، ولذلك حكم بزيادة ( من ) في الواجب، وليس مذهب البصريين، وينبغي على هذا التقدير أن لا يجوز، لأنه لا يحفظ بهذا المعنى إلا لازماً، فإن كان بهذا المعنى كانت « من » للسبب، أي بلباس أساور الذهب يُحَلّون بعين من رآهم أي يحلى بعضهم بعين بعض.