وزاد صاحب اللوامح فقال : فيصير في الكلام تقديم وتأخير ويصير « يأتوك » جزماً على جواب الأمر في « وَطهِّر ». وابن محصين « وآذن » بالمد : وتصحف هذا على ابن جنيّ فإنه حكى عنهما « وأَذِنَ » على أنه فعل ماض وأعرب على ذلك بأن جعله عطفاً على « بَوَّأْنَا ». قال شهاب الدين : ولم يتصحف عليه بل حكى هذه القراءة أبو الفضل الرازي في اللوامح له عنهما، وذكرها أيضاً ابن خالويه، ولكنه لم يطلع عليها، فنسب من اطّلع عليها للتصحيف، ولو تأنّى أصاب أو كاد.
وقرأ ابن ابي إسحاق « بالحجِّ » بكسر الحاء حيث وقع كما تقدم.

فصل


قال أكثر المفسرين : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال الله له :﴿ أذن في الناس بالحج ﴾، قال : يا رب وما يبلغ صوتي؟ قال : عليك الأذان وعليَّ البلاغ فصعد إبراهيم الصفا، وفي رواية أبا قبيس، وفي رواية على المقام. فارتفع المقام حتى صار كأطول الجبال فأدخل أصبعيه في أذنيه، وأقبل بوجهه يميناً وشمالاً وشرقاً وغرباً وقال : يا أيها الناس ألا إن ربكم قد بنى بيتاً، وقد كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فأجيبوا ربكم، فأجابه كل من يحج من أصلاب الآباء وأرحام الأمّهات لبيك اللهم لبيك. قال ابن عباس : فأول من أجابه أهلُ اليَمَن فهم أكثر الناس حجاً. وقال مجاهد : من أجاب مرّة حجّ مرّة ومن أجاب مرتين أو أكثر فيحج مرتين أو أكثر بذلك المقدار. قال ابن عباس : لما أمر الله إبراهيم بالأذان تواضعت له الجبال وخفضت وارتفعت له القرى. وقال الحسن وأكثر المعتزلة : إنّ المأمور بالأذان هو محمد - عليه السلام - واحتجوا بأن ما جاء في القرآن وأمكن حَمْله على أن محمداً هو المخاطب فهو أولى وقد بينا أن قوله :« وَإِذْ بَوَّأنَا »، أي : واذكر يا محمد إذ بوأنا، فهو في حكم المذكور، فلما قال :« وَأَذِّنْ » فإليه يرجع الخطاب. قال الجبائي : أمر محمداً - ﷺ - أن يفعل ذلك في حجة الوداع. قالوا : إنه ابتداء فرض الحج من الله تعالى للرسول، وفي قوله :« يَأْتُوكَ » دلالة على أن المراد أن يحج فيقتدى به.
وروى أبو هريرة قال : قال رسول الله - ﷺ - « إِنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُم الحجَّ فحُجُّوا ».
قوله :« رِجَالاً » نصب على الحال، وهو جمع راجل نحو : صاحب وصِحَاب، وتاجر وتجار، وقائم وقيام. وقرأ عكرمة والحسن وأبو مجلز « رُجَّالاً » بضم الراء وتشديد الجيم.


الصفحة التالية
Icon