قال شهاب الدين : وهذا الكلام منه غير مرضي، كيف يقول : ويشبه أن يكون الكسائي سمعه. والكسائي يقول : قرأت به. فكيف يحتاج إلى سماع مع تمسكه بأقوى السماعات، وهو روايته لذلك قرأنا متواتراً. وقوله : من الشاذ : يعني قياساً لا استعمالاً فإنه فصيح في الاستعمال، وذلك أن فعل يفعُل بضم العين في المضارع قياس الفعل منه أن يفتح عينه مطلقاً، أي : سواء أريد به الزمان أم المكان أم المصدر، وقد شذت ألفاظ ضبطها النحاة في كتبهم مذكورة في هذا الكتاب.

فصل


« وَلِكُلِّ أُمَّةٍ » ( أي : جماعة مؤمنة سلفت قبلكم من عهد إبراهيم عليه السلام « جَعَلْنَا مَنْسَكاً » ) أي ضرباً من القربان، وجعل العلة في ذلك أن يذكر اسمه عند ذبحها ونحرها فقال :﴿ لِّيَذْكُرُواْ اسم الله على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأنعام ﴾ أي : عند الذبح والنحر لأنها لا تتكلم. وقال :« بَهِيمة الأَنْعَام » قيد بالنعم، لأن من البهائم ما ليس من الأنعام كالخيل والبغال والحمير لا يجوز ذبحها في القرابين، وكانت العرب تسمي ما تذبحه للصَّنَم العتر والعتيرة كالذبح والذبيحة.
قوله :﴿ فإلهكم إله وَاحِدٌ ﴾ في كيفية النظم وجهان :
الأول : أن الإله واحد، وإنما اختلفت التكاليف باختلاف الأزمنة والأشخاص لاختلاف المصالح.
والثاني :﴿ فإلهكم إله وَاحِدٌ ﴾ لا تذكروا على ذبائحكم غير اسمه. « فَلَهُ أَسْلِمُوا » انقادوا وأطيعوا، فمن انقاد لله كان مخبتاً فلذلك قال بعده « وَبَشِّر المُخْبِتِينَ ».
قال ابن عباس وقتادة : المخبت المتواضع الخاشع وقال مُجاهد : المطمئن إلى الله. والخبت المكان المطمئن من الأرض. قال أبو مسلم : حقيقة المخبت من صار في خبت من الأرض تقول : أخبت الرجل إذا صار في الخبت كما يقال : أنجد وأَتْهَمَ وأشَأم.
وقال الكلبي : هم الرقيقة قلوبهم. وقال عمرو بن أوس : هم الذين لا يظلمون وإذا ظُلِموا لم ينتصروا.
قوله :﴿ الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾. يجوز أن يكون هذا الموصول في موضع جر أو نصب أو رفع، فالجر من ثلاثة أوجه : النعت للمخبتين، أو البدل منهم، أو البيان لهم. والنصب على المدح. والرفع على إضمارهم وهو مدح أيضاً، ويسميه النحويون قطعاً.
والمعنى : إذا ذكر الله ظهر عليهم الخوف من عقاب الله والخشوع والتواضع لله، والصابرين على ما أصابهم من البلايا والمصائب من قبل الله، لأنه الذي يجب الصبر عليه كالأمراض والمحن، فأما ما يصيبهم من قبل الظَّلَمة فالصبر عليه غير واجب بل لو أمكنه دفع ذلك لزمه الدفع ولو بالمقاتلة.
قوله :« والمُقِيْمي الصَّلاَةِ » في أوقاتها. والعامة على خفض « الصَّلاَة » بإضافة المقيمين إليها.
وقرأ الحسن وأبو عمرو في رواية بنصبها على حذف النون تخفيفاً كما تحذف النون لالتقاء الساكنين. وقرأ ابن مسعود والأعمش بهذا الأصل « والمُقِيْمِينَ الصَّلاة » بإثبات النون ونصب الصلاة. وقرأ الضحاك :« والمُقِيْم الصَّلاَة » بميم ليس بعدها شيء. وهذه لا تخالف قراءة العامة لفظاً وإنما يظهر مخالفتها لها وقفاً وخطاً. ثم قال :﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ أي : يتصدقون فهم خائفون خاشعون متواضعون لله مشتغلون بخدمة ربهم بالبدن والنفس والمال.


الصفحة التالية
Icon