﴿ وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ ﴾ [ الحجر : ٦٦ ]. وقرأ الحسن « وهُوَ عليَّ هيِّنٌ »، ولا يخرَّج هذا إلا على الوجه الأول، أي : الأمرُ كما قلت، وهو على ذلك يُهونُ عليَّ.
وجهٌ آخرُ : وهو أن يُشارَ ب « ذَلِكَ » إلى ما تقدَّم من وعد الله، لا إلى قولِ زكريَّا، و « قَالَ » محذوفٌ في كلتا القراءتين. يعني قراءة العامَّة وقراءة الحسنِ -أي : قال : هُوَ عليَّ هيِّنٌ، قال : وهُوَ عليَّ هيِّنٌ، وإن شئت لمْ تنوهِ؛ لأنَّ الله هو المخاطب، والمعنى أنه قال ذلك، ووعدهُ وقوله الحقُّ «.
وفي هذا الكلام قلقٌ؛ وحاصله يرجع إلى أنَّ » قال « الثانية هي الناصبةُ للكاف.
وقوله :» وقَالَ محذوفٌ « يعني تفريعاً على أنَّ الكلام قد تمَّ عند » قال ربُّك « ويبتدأ بقوله :» هُوَ عليَّ هيِّنٌ «. وقوله :» وإنْ شِئْتَ لمْ تَنْوهِ «، أي : لم تَنْوِ القول المقدَّر؛ لأنَّ الله هو المتكلِّمُ بذلك.
وظاهرُ كلام الطبريُّ :» ومعنى قوله « قال كذلكَ » أي : الأمران اللذان ذكرت من المرأةِ العاقر والكبرِ هو كذلك، ولكن قال ربُّك، والمعنى عندي : قال الملكُ : كذلك، أي : على هذه الحال، قال ربُّك، هو عليَّ هيِّنٌ « انتهى.
وقرأ الحسن البصري » عَلَيَّ « بكسر ياء المتكلم؛ كقوله [ الطويل ]٣٥٨٢ أ- عَليِّ لعمرٍو نِعْمَةٍ | لِوَالِدِهِ ليْسَتْ بذاتِ عقَارِبِ |
أنشدوه بالكسر. وتقدم الكلام على هذه المسألة في قراءة حمزة » بمُصْرِخيِّ « [ إبراهيم : ٢٢ ].
قوله :» وقَدْ خلقْتُكَ « هذه الجملة مستأنفةٌ، وقرأ الأخوان » خَلقْنَاكَ « أسنده إلى الواحد المعظِّمِ نفسهُ، والباقون » خلقْتُك « بتاء المتكلِّم.
وقوله :» ولَمْ يَكُ شَيْئاً « جملةٌ حاليةٌ، ومعنى نفي كونه شيئاً، أي : شيئاً يعتدُّ به؛ كقوله :[ البسيط ]٣٥٨٢ ب-............................... | إذا رَأى غيْر شيءٍ ظنَّهُ رَجُلا |
وقالوا : عجبتُ من لا شيءٍ، ويجوز أن يكون قال ذلكَ؛ لأنَّ المعدومَ ليس بشيءٍ.
فصل
قيل : إطلاق لفظ » الهَيِّن « في حق الله تعالى مجاز؛ لأن ذلك إنما يجوزُ في حقِّ من يجوز أن يصعب عليه شيء، ولكن المراد؛ أنه إذا أراد شيئاً كان.
ووجه الاستدلال بقوله تعالى ﴿ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً ﴾ فنقول : إنه لما خلقه من العدم الصَِّرف والنفي المحضِ، كان قادراً على خلق الذوات والصفات والآثار، وأما الآن، فخلق الولد من الشيخ والشيخة لا يحتاج فيه إلا إلى تبديل الصفات، وإذا أوجده عن العدم، فكذا يرزقه الولد بأن يعيد إليه وإلى صاحبته القوَّة التي عنها يتولَّد الماءان اللذان من اجتماعهما يُخلقُ الولد.
فصل
الجمهورُ على أنَّ قوله :» قال : كذلِكَ قال ربُّكَ « يقتضي أن القائلَ لذلك ملك مع الاعتراف بأن قوله ﴿ يازكريآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ ﴾ قول الله تعالى، وقوله ﴿ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ﴾ قول الله تعالى، وهذا بعيدٌ؛ لأنه إذا كان ما قبل هذا الكلام وما بعده قول الله تعالى، فكيف يصحُّ إدرتجُ هذه الألفاظ فيما بين هذين القولين، والأولى أن يقال : قائلُ هذا القول أيضاً هو الله تعالى؛ كما أن الملك العظيم، إذا وعد عبده شيئاً عظيماً، فيقول العبد : من أين يحصلُ لي هذا، فيقول : إن سلطانكَ ضمِنَ لك ذلك؛ كأنه ينبه بذلك على أن كونه سلطاناً ممَّا يوجب عليه الوفاء بالوعد، فكذا ههنا.