حتى هاجر رسول الله - ﷺ - فأنزل الله تعالى هذه الآية، وهي أول آية أذن الله فيها بالقتال، ونزلت هذه الآية بالمدينة. وقال مقاتل : نزلت هذه الآية في قوم بأعيانهم خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة، فكانوا يمنعون، فأذن الله لهم في قتال الكفار الذي يمنعونهم من الهجرة « بأنَّهُم ظُلِمُوا » أي بسبب ما ظلموا واعتدوا عليهم بالإيذاء. ﴿ وَإِنَّ الله على نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ وهذا وعد منه تعالى بنصرهم، كما يقول المرء لغيره : إن أطعتني فأنا قادر على مجازاتك، لا يعني بذلك القدرة بل يريد أنه سيفعل ذلك.
قوله :﴿ الذين أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾ يجوز أن يكون « الذين » في محل جر نعتاً للموصول الأول، أو بياناً له، أو بدلاً منه وأن يكون في محل نصب على المدح، وأن يكون في محل رفع على إضمار مبتدأ.
فصل
لما بين أنهم إنما أذنوا في القتال لأجل أنهم ظُلموا، فسر ذلك الظلم بقوله ﴿ الذين أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا الله ﴾، فبين تعالى ظلمهم لهم بهذين الوجهين :
الأول : أنهم أُخرجوا من ديارهم.
والثاني : أخرجوهم بسبب قولهم :« رَبُّنَا اللَّه ». وكل واحد من الوجهين عظيم في الظلم.
قوله :﴿ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ ﴾. فيه وجهان :
أحدهما : أنه منصوب على الاستثناء المنقطع، وهذا مما يُجمع العرب على نصبه، لأنه منقطع لا يمكن توجه العامل إليه، وما كان كذا أجمعوا على نصبه نحو : ما زاد إلا ما نقص، وما نفع إلا ما ضر. فلو توجه العامل جاز فيه لغتان : النصب وهو لغة الحجاز، وأن يكون كالمتصل في النصب والبدل نحو ما فيها أحد إلا حمار. وإنما كانت الآية الكريمة من الذي لا يتوجه عليه العامل، لأنك لو قلت : الذين أخرجوا من ديارهم إلا أن يقولوا ربنا الله لم يصح.
الثاني : أنه في محل جر بدلاً من « حَقّ ».
قال الزمخشري : أي بغير موجب سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون موجب الإقرار والتمكين لا موجب الإخراج والتسيير، ومثله ﴿ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بالله ﴾ [ المائدة : ٥٩ ] انتهى.
وممن جعله في موضع جر بدلاً مما قبله الزجاج. إلا أن أبا حيان رد ذلك فقال : ما أجازاه من البدل لا يجوز، لأن البدل لا يجوز إلا حيث سبقه نفي أو نهي أو استفهام في معنى النفي ( نحو : ما قام أحد إلا زيد، ولا يضرب أحد إلا زيد، وهل يضرب أحد إلا زيد ) وأما إذا كان الكلام موجباً أو أمراً فلا يجوز البدل ( لا يقال : قام القوم إلا زيد، على البدل، ولا يضرب القوم إلا زيد، على البدل ) لأن البدل لا يكون إلا حيث يكون العامل يتسلط عليه، ولو قلت : قام إلا زيد، وليضرب إلا عمرو لم يجز.