فعلى هذا إنما دفع عنهم حين كانوا على الحق قبل التحريف وقبل النسخ. فإن قيل : كيف تهدم الصلوات على تأويل من تأوله على صلاة المسلمين؟ فالجواب من وجوه :
الأول : المراد من هدم الصلاة إبطالها وإهلاك من يفعلها كقولهم هدم فلان إحسان فلان، إذا قابله بالكفر دون الشكر.
الثاني : ما تقدم من باب حذف المضاف كقوله :« واسْأَلِ القَرْيَة » أي أهلها، فالمراد مكان الصلاة.
الثالث : لما كان الأغلب فيما ذكر ما يصح أن يهدم جاز ضم ما لا يصح أن يهدم إليه كقولهم : متقلداً سيفاً ورمحاً. وإن كان الرمح لا يتقلد. فإن قيل : لم قدم الصوامع والبيع في الذكر على المساجد؟
فالجواب لأنها أقدم في الوجود. وقيل أخر المساجد في الذكر كما في قوله :﴿ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات ﴾ [ فاطر : ٣٢ ]. قال عليه السلام :« نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُون ».
قوله :﴿ يُذْكَرُ فِيهَا اسم الله ﴾ يجوز أن يكون صفة للمواضع المتقدمة كلها إن أعدنا الضمير من « فِيهَا » عليها. قال الكلبي ومقاتل : يعود إلى الكل لأن الله تعالى يذكر في هذه المواضع كلها. ويجوز أن يكون صفة للمساجد فقط إن خصصنا الضمير في « فِيهَا » بها تشريفاً لها. ثم قال ﴿ وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ ﴾ أي : ينصر دينه ونبيه.
وقيل : يتلقى الجهاد بالقبول نصرة لدين الله. ﴿ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ ﴾ أي : على هذه النصرة التي وعدها المؤمنين. « عَزِيْزٌ » وهو الذي لا يضام ولا يمنع مما يريده.
قوله :﴿ الذين إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ ﴾ يجوز في هذا الموصول ما جاز في الموصول قبله ويزيد هذا عليه بأنه يجوز أن يكون بدلاً من « مَنْ يَنْصُرُه » ذكره الزجاج أي : ولينصرن الله الذين إن مكناهم، و « إنْ مَكَّنَّاهم » شرط و « أقاموا » جوابه، والجملة الشرطية بأسرها صلة الموصول.
فصل
لما ذكر الذين أذن لهم في القتال وصفهم في هذه الآية فقال :﴿ الذين إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرض ﴾ والمراد من هذا التمكن السلطنة ونفاذ القول على الخلق أي : نصرناهم على عدوهم حتى تمكنوا من البلاد. قال قتادة : هم أصحاب محمد - ﷺ - المهاجرون لأن الأنصار لم يخرجوا من ديارهم فوصفهم بأنهم أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ثم قال ﴿ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمور ﴾ أي : آخر أمور الخلق ومصيرهم أي : يبطل كل ملك سوى ملكه، فتصير الأمور له بلا منازع.