قوله تعالى :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ ﴾ الآية. قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي، وغيرهما من المفسرين : لما رأى رسول الله - ﷺ - إعراض قومه عنه وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به تمنى في نفسه أن يأتيه من الله ما يقارب بينه وبين قومه لحرصه على إيمانهم، فجلس ذات يوم في ناد من أندية قريش، وأحب يومئذ أن لا يأتيه من الله شيء يُنَفِّر عنه، وتمنى ذلك فأنزل الله سورة ﴿ والنجم إِذَا هوى ﴾ [ النجم : ١ ]، فقرأها رسول الله - ﷺ - حتى بلغ ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ اللات والعزى وَمَنَاةَ الثالثة الأخرى ﴾ [ النجم : ١٩ - ٢٠ ]، ألقى الشيطان على لسانه لما كانت تحدثه به نفسه ويتمنّاه : تلك الغَرَانِيق العُلَى منها الشفاعة ترتجى. فلما سمعت قريش ذلك فرحوا به، ومضى رسول الله - ﷺ - في قراءته، وقرأ السورة كلها وسجد في آخر السورة، فسجد المسلمون لسجوده، وسجد جميع من في المسجد من المشركين، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة وأبا أحيحة سعيد بن العاص، فإنهما أخذا حِفْنَةً من البطحاء ورفعاها إلى جبهتهما لأنهما كانا شيخين كبيرين، فلم يستطعا السجود، وتفرقت قريش، وقد سرهم ما سمعوا وقالوا قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذِّكر، وقالوا قد عرفنا أن الله يحيي ويميت ويخلق ويرزق ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، فإن جعل لها محمد نصيباً فنحن معه فلما أمسى رسول الله - ﷺ - أتاه جبريل، فقال : يا محمد مَاذَا صَنَعْتَ تَلَوْتَ عَلَى النَّاسِ ما لم أنزل به عن الله تعالى، وقُلْتَ مَا لَمْ أَقُلْ لَكَ؟ فحزن رسول الله - ﷺ - حزناً شديداً، وخاف من الله خوفاً عظيمً فأنزل الله هذه الآية يعزيه، وكان به رحيماً.
قال ابن الخطيب : وأما أهل التحقيق فقالوا : هذه الرواية باطلة موضوعة لوجوه من القرآن والسنة والمعقول : أما القرآن فقوله تعالى :﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين ﴾ [ الحاقة : ٤٤ - ٤٦ ]، وقوله :﴿ قُلْ مَا يَكُونُ لي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نفسي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ ﴾ [ يونس : ١٥ ]، وقوله :﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحى ﴾ [ النجم : ٣ - ٤ ]. فلو أنه قرأ عقيب هذه الآية قوله : تلك الغرانيق العلى لكان قد ظهر كذب الله في الحال، وذلك لا يقوله مسلم. وقوله :﴿ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ﴾ [ الإسراء : ٧٣ ] وكلمة « كاد » عند بعضهم قريب أن يكون الأمر كذلك مع أنه لم يحصل، وقوله :