وقال الكلبي : إنه يعود إلى نسخ الله ما ألقاه الشيطان.
قوله :« فَيُؤْمِنُوا » عطف على « وَليَعْلَمَ »، و « فَتُخْبِتَ » عطف عليه وما أحسن ما وقعت هذه الفاءان. ومعنى « فَتُخْبِتَ » أي تخضع وتسكن له قلوبهم لعلمهم بأن المقضي كائن وكلٌّ مُيَسَّر لِمَا خُلِقَ لَه.

فصل


ومعنى « أُوتُوا العِلْمَ » أي : التوحيد والقرآن. وقال السُّدِّي : التصديق. « فَيُؤْمِنُوا به » أي : يعتقدوا أنه من الله.
قوله :﴿ وَإِنَّ الله لَهَادِ ﴾ قرأ العامة « لهَادِ الَّذِينَ » بالإضافة تخفيفاً. وابن أبي عبلة وأبو حيوة بتنوين الصفة وإعمالها في الموصول. والمعنى : أن الله يهدي الذين آمنوا إلى طريق قويم وهو الإسلام.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ ﴾ الآية. لما بين حال الكافرين أولاً ثم حال المؤمنين ثانياً عاد إلى شرح حال الكافرين مرة أخرى، فقال :﴿ وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ ﴾ شك ونفاق « مِنْه » أي : من القرآن، أو من الرسول، أو مم ألقاه الشيطان.
والمِرية والمُرية بالكسر والضم لغتان مشهورتان، وظاهر كلام أبي البقاء أنهما قراءتان.
قوله :﴿ حتى تَأْتِيَهُمُ الساعة ﴾ وهذا يدل على أن الأعْصَار إلى قيام الساعة لا تخلو ممن هذا وصفه. « بغْتَة » أي : فجأة من دون أن يشعروا، ثم جعل الساعة لكفرهمِ، وأنهم يؤمنون عند أشراط الساعة على وجه الإلجاء. وقيل : أراد بالساعة الموت. ﴿ أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ﴾. قال الأكثرون : هو يوم بدر. وقال عكرمة والضحاك : هو يوم القيامة. والعقيم من العُقْم، وفيه قولان :
أحدهما : أنه السد، يقال : امرأة مَعْقُومة الرَّحم أو مسدودته عن الولادة. وهو قول أبي عبيد.
والثاني : أن أصله القطع، ومنه ( المُلْك عَقِيم ) أي : لأنه يقطع صلة الرحم بالتراحم عليه، ومنه العقيم لانقطاع ولادتها. والعقم انقطاع الخبر، ومنه يوم عقيم، قيل : لأنه لا ليلة بعده، ولا يوم فشبه بمن انقطع نسله، وقيل : لأنهم لا يرون فيه خيراً. وقيل : لأن كل ذات حمل تضع حملها في ذلك اليوم، فكيف يحصل الحمل فيه. هذا إن أريد به يوم القيامة.
وإن أريد به يوم بدر فقيل : لأن أبناء الحرب تقتل فيه، فكأن النساء لم يلدنهم فيكنّ عُقماً، يقال : رجل عَقِيم وامرأة عَقيم، أي : لا يولد لهما. والجمع عقم.
وقيل : لأنه الذي لا خير فيه، يقال : ريح عقيم إذا لم تنشئ مطراً، ولم تلقح شجراً.
وقيل : إنه لا مثل له في عظم أمره، وذلك لقتال الملائكة فيه.
والقول الأول أولى لأنه لا يجوز أن يقال :﴿ وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ ﴾ ويكون المراد إلى يوم بدر، لأن من المعلوم أنهم في مرية بعد يوم بدر.


الصفحة التالية
Icon