قوله تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الأرض ﴾ أي ذلل لكم ما فيها فلا أصلب من الحجر، ولا أشد من الحديد، ولا أكثر هيبة من النار، وقد سخرها لكم، وسخر الحيوانات أيضاً حتى ينتفع بها للأكل والركوب والحمل.
قوله :« والفُلْكَ » العامة على نصب « الفُلْكَ » وفيه وجهان :
أحدهما : أنها عطف على ﴿ مَّا فِي الأرض ﴾ أي سخر لكم ما في الأرض وسخر لكم الفلك، وأفردها بالذكر وإن اندرجت بطريق العموم تحت « ما » في قوله ﴿ مَّا فِي الأرض ﴾ لظهور الامتنان بها، ولعجيب تسخيرها دون سائر المسخرات، و « تَجْرِي » على هذا حال.
والثاني : أنها عطف على الجلالة، وتقديره : أَلَمْ تَرَ أَنَّ الفُلْكَ تَجْرِي فِي البَحْر، ف « تجري » خبر على هذا. وضم لام « الفُلْك » هنا الكسائي فيما رواه عن الحسن، وهي قراءة ابن مقسم، وقرأ أبو عبد الرحمن وطلحة والأعرج وأبو حيوة والزعفراني برفع « والفُلْك » على الابتداء، و « تَجْرِي » بعده الخبر. ويجوز أن يكون ارتفاعه عطفاً على محل اسم « إن » عند من يجيز ذلك نحو إن زيداً وعمرو قائمان، وعلى هذا ف « تجري » حال أيضاً والباء في « بأمره » للسببية.
فصل
وكيفية تسخيره الفلك هو من حيث سخر الماء والرياحُ تجريها، فلولا صفتها على ما هما عليه لما جرت بل كانت تغوص أو تقف فنبه تعالى على نعمته بذلك، وبأن خلق ما تُعْمَل منه السفن، وبأن بين كيف تعمل، وقال :« بأَمْرِه » لما كان تعالى هو المجري لها بالرياح نسب ذلك إلى أمره توسعاً، لأن ذلك يفيد ( تعظيمه بأكثر مما يفيد ) لو أضافه إلى فعله على عادة الملوك في مثل هذه اللفظة.
قوله :﴿ وَيُمْسِكُ السمآء أَن تَقَعَ ﴾ ( في « أَنْ تَقَعَ » ) ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها في محل نصب أو جر لأنها على حذف حرف الجر تقديره من أن تقع.
الثاني : أنها في محل نصب فقط لأنها بدل من « السماء » بدل اشتمال أي ويمسك وقوعها بمنعه.
الثالث : أنها في محل نصب على المفعول من أجله، فالبصريون يقدرون كراهة أن تقع، والكوفيون لئلا تقع.
قوله :« إِلاَّ بإِذْنِه » في هذا الجار وجهان :
أحدهما : أنه متعلق ب « تَقَع » أي : إلا بإذنه فتقع.
والثاني : أنه متعلق ب « يمسك ».
قال ابن عطية : ويحتمل أن يعود قوله :« إلا بإذنه » على الإمساك، لأن الكلام يقتضي بغير عمد ونحوه، كأنه أراد إلا بإذنه فيه نمسكها. قال أبو حيان : ولو كان على ما قال لكان التركيب بإذنه دون أداة الاستثناء ويكون التقدير : ويمسك السماء بإذنه.