﴿ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ ﴾ [ المائدة : ٧١ ] ﴿ وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ ﴾ [ الأنبياء : ٣ ].
قال عيسى : سمعتُ طلحة يقرؤها فقلتُ له : أتلحن؟ قال : نعم كما لحن أصحابي، يعني أني اتّبعتهم فيما قَرَأْتُ به، فإن لَحِنُوا على سبيل فَرْض المحالِ، فأنا لاَحِنٌ تبعاً لهم. وهذا يدل على شدة اعتناء القدماء بالنقل وضبطه خلافاً لمن يُغلّط الرواة.
وقال ابن عطية : وهي قراءة مردودة. قال شهاب الدين : ولا أدري كيف يُردُّونها مع ثبوت مثلها في القرآن بإجماع، وهما الآيتان المتقدمتان. وقال الزمخشري : وعنه أي : عن طلحة - « أَفْلَحُ » بضمة بغير واو اجتزاء بها عنها كقوله :
٣٧٨٠- فَلَوْ أَنَّ الأَطِّبَّا كَانُ حَوْلِي... وفيه نظر من حيث إن الواو لا تثبت في مثل هذا درجاً، لئلا يلتقي ساكنان فالحذف هنا لا بدّ منه، فكيف يقول اجتزأ بها عنها. وأما تنظيره بالبيت فليس بمطابق، لأنّ حذفها من الآية ضروري ومن البيت ضرورة، وهذه الواو لا يظهر لفظها في الدرج بل يظهر في الوقف وفي الخط.
وقد اختلف النقلة لقراءة طلحة هل يثبت للواو صورة؟ ففي كتاب ابن خالويه مكتوباً بواو بعد الحاء، وفي اللوامح : وحذفت الواو بعد الحاء لالتقائهما في الدرج، وكانت الكتابة عليها محمولة على الوصل ﴿ وَيَمْحُ الله الباطل ﴾ [ الشورى : ٢٤ ]. قال شهاب الدين : ومثله « سَندْعُ الزَّبَانِيَةَ » « لَصَالُ الجَحِيم ». قال المفسرون : والفلاح : النجاة والبقاء. قال ابن عباس : قد سعد المصدقون بالتوحيد وبقوا في الجنة. وتقدم الكلام في الإيمان في البقرة. قوله :﴿ الذين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ الجار متعلق بما بعده، وقُدّم للاهتمام به، وحسنه كون متعلقه فاصلة، وكذا فيما بعده من أخواته، وأضيف الصلاة إليهم، لأنهم هم المنتفعون بها، والمُصلى له غَنِيٌّ عنها، فلذلك أضيفت إليهم دونه.
فصل
اختلفوا في الخشوع فمنهم من جعله من أفعال القلوب كالخوف والرهبة، ومنهم من جعله من أفعال الجوارح كالسكون وترك الالتفات ومنهم من جمع بين الأمرين، وهو الأولى.
قال ابن عباس : مخبتون أذلاء. وقال الحسن وقتادة : خائفون. وقال مقاتل : متواضعون. وقال مجاهد : هو غض البصر وخفض الصوت، والخشوع قريب من الخضوع إلا أنّ الخضوع في البدن، والخشوع في القلب والبصر والصوت قال تعالى :﴿ وَخَشَعَتِ الأصوات للرحمن ﴾ [ طه : ١٠٨ ]. وعن عليّ : هو أن لا يلتفت يميناً ولا شمالاً. وقال سعيد بن جبير : هو أن لا يعرف من على يمينه ولا من على يساره. وقال عطاء : هو أن تعبث بشيء من جسدك، لأن النبي - ﷺ - أبصر رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة، فقال :« لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه » وقال ابن الخطيب : وهو عندنا واجب، ويدل عليه أمور :