« لا صلاة إلا بطهور، ولا نِكَاحَ إِلاَّ بِوَليّ » فإن ذلك لا يقتضي حصول الصلاة بمجرد حصول الطهور، وحصول النكاح بمجرد حصول الولي. وفائدة الاستثناء صرف الحكم لا صرف المحكوم به فقوله :﴿ والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ ﴾ معناه أنه يجب حفظ الفرج عن الكل إلا في هاتين الصورتين فإني ما ذكرت حكمهما لا بالنفي ولا بالإثبات.
الثاني :( أَنَّا إنْ ) سلمنا أنّ الاستثناء من النفي إثبات فغايته أنه عام دخله التخصيص بالدليل فيبقى حجة فيما عداه.
وقوله :﴿ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾ يعني : يحفظ فرجه إلا من امرأته وأمته فإنه لا يلام على ذلك إذا كان على وجه أذن الشرع فيه دون الإتيان في غير المأتى، وفي حال الحيض والنفاس فإنه محظور ويلام على فعله.
قوله :﴿ فَمَنِ ابتغى وَرَآءَ ذلك ﴾ أي : التمس وطلب سوى الأزواج والمملوكات ﴿ فأولئك هُمُ العادون ﴾ الظالمون المتجاوزون من الحلال إلى الحرام، وفيه دليل أنَّ الاستمناء باليد حرام قال ابن جريج : سألت عطاء عنه فقال : مكروه، سمعت أنّ قوماً يحشرون وأيديهم حُبالى فأظن أنهم هؤلاء. وعن سعيد بن جبير قال : عَذَّب الله أمة كانوا يعبثون بمذاكيرهم. قوله :﴿ والذين هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ ﴾ قرأ ابن كثير هنا وفي سأل « لأَمَانَتِهِم » بالتوحيد، والباقون بالجمع. وهما في المعنى واحد إذ المراد العموم والجمع أوفق.
والأمانة في الأصل مصدر، ويطلق على الشيء المؤتمن عليه لقوله :﴿ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إلى أَهْلِهَا ﴾ [ النساء : ٥٨ ].
« وتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ »، وإنما يُؤدَّى ويُخان الأعيان لا المعاني، كذا قال الزمخشري.
أما ما ذكره من الآيتين فمسلم، وأما هذه الآية فيحتمل المصدر ويحتمل العين، والعهد ما عقده على نفسه فيما يقربه إلى الله، ويقع أيضاً على ما أمر الله به كقوله :﴿ الذين قالوا إِنَّ الله عَهِدَ إِلَيْنَا ﴾ [ آل عمران : ١٨٣ ]، والعقود التي عاقدوا الناس عليها يقومون بالوفاء بها. فالأمانات تكون بين الله وبين العبد كالصلاة، والصيام، والعبادات الواجبة وتكون بين العبيد كالودائع والبضائع، فعلى العبد الوفاء بجميعها.
وقوله :« رَاعُونَ » الراعي القائم على الشيء يحفظه ويصلحه كراعي الغنم، ومنه يقال : مَنْ راعي هذا الشيء؟ أي متوليه.
وقوله :﴿ والذين هُمْ على صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ قرأ الأخوان « عَلَى صَلاَتِهِمْ » بالتوحيد، والباقون « صَلَوَاتِهِمْ » بالجمع، وليس في المعارج خلاف. والإفراد والجمع كما تقدم في « أَمَانَتِهم ) و ( أَمَانَاتِهِمْ ). قال الزمخشري : فإنْ قُلْتَ : كيف كرر ذكر الصلاة أولاً وآخراً؟ قلت : هما ذكران مختلفان وليس بتكرير، وصفوا أولاً بالخشوع في صلاتهم، وآخراً بالمحافظة عليها. ثم قال : وأيضاً فقد وحدت أولاً ليفاد الخشوع في جنس الصلاة، أي صلاة كانت، وجمعت آخراً لتفاد المحافظة على أعدادها وهي الصلوات الخمس والوتر والسنن الراتبة، وهذا إنما يتجه في قراءة غير الأخوين وأما الأخوان فإنهما أفردا أولاً وآخراً على أنَّ الزمخشري قد حكى الخلاف في جمع الصلاة الثانية وإفرادها بالنسبة إلى القراءة.


الصفحة التالية
Icon