الثالث : أنْ يكون خبر مبتدأ مضمر أي : هو أحسن، والأصل عدم الإضمار.
وقد منع أبو البقاء أن يكون وصفاً، قال : لأنه نكرة وإن أضيف لمعرفة لأنّ المضاف إليه عوض عن « من »، وهكذا جميع أفعل منك.
قال شهاب الدين : وهذا بناء منه على أحد القولين في أفعل التفضيل إذا أضيف هل إضافته محضة أم لا، والصحيح الأول. والمميز لأفعل محذوف لدلالة المضاف إليه عليه، أي : أحسن الخالقين خلقاً المقدرين تقديراً كقوله :﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ ﴾ [ الحج : ٣٩ ] أي : في القتال حذف المأذون فيه لدلالة الصلة عليه.
فصل
قالت المعتزلة : لولا أن يكون غير الله قد يكون خالقاً لما جاز القول بأنه أحسن الخالقين، كما لو لم يكن في عباده من يحكم ويرحم لم يجز أن يقال فيه :« أَحْكَمُ الحَاكِمِينَ » و « أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ». والخلق في اللغة : هو كل فعل وُجد من فاعله مقدّراً لا على سهو وغفلة، والعباد قد يفعلون ذلك على هذا الوجه. قال الكعبي : هذه الآية وإن دلت على أن العبد خالق إلا أن اسم الخالق لا يطلق على العبد إلا مع القيد، كما أنه يجوز أن يقال : رَبُّ الدار، ولا يجوز أن يقول : رب، ولا يقول العبد لسيده : هذا ربّي، ولا يقال : إنما قال الله سبحانه ذلك لأنه وَصفَ عيسى - عليه السلام - بأنه يَخْلُق مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ. لأنا نجيب من وجهين :
أحدهما : أن ظاهر الآية يقتضي أنه سبحانه « أَحسَنُ الخَالِقِينَ » الذين هم جمع فحمله على عيسى خاصة لا يصح.
الثاني : أنه إذا صحّ وصف عيسى بأنه يخلق صحّ أنّ غيره سبحانه يخلق وصحّ أيضاً وصف غيره من المصورين بأنه يخلق.
وأجيب بأن هذه الآية معارضة بقوله :﴿ الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [ الزمر : ٦٢ ] فوجب حمل هذه الآية على أنه « أَحسَنُ الخَالِقينَ » في اعتقادكم وظنكم كقوله :﴿ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ [ الروم : ٢٧ ].
وجواب ثان، وهو أنّ الخالق هو المقدر، لأن الخلق هو التقدير، فالآية تدل على أنه تعالى أحسن المقدرين، والتقدير يرجع معناه إلى الظن والحسبان، وذلك في حق الله تعالى محال، فتكون الآية من المتشابه.
وجواب ثالث : أنّ الآية تقتضي كون العبد خالقاً بمعنى كونه مقدراً لكن لم قلت إنه خالق بمعنى كونه موحداً.
فصل
قالت المعتزلة : الآية تدل على أنّ كل ما خلقه الله حسن وحكمة وصواب وإلا لما جاز وصفه بأنه أحسن الخالقين، وإذا كان كذلك وجب أن لا يكون خالقاً للكفر والمعصية، فوجب أن يكون العبد هو الموجد لهما.
وأجيب بأنّ من الناس من حمل الحسن على الأحكام والإتقان في التركيب والتأليف، ثم لو حملناه على ما قالوه فعندنا أنه يحسن من الله كل الأشياء، لأنه ليس فوقه أمر ونهي حتى يكون ذلك مانعاً له عن فعل شيء.