[ الإسراء : ٨٠ ]، وقال :﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن فاستعذ بالله ﴾ [ النحل : ٩٨ ] فكأنه - تعالى - أمرهم أن لا يغفلوا عن ذكره في جميع أحوالهم.
قوله :﴿ وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً ﴾ قرأ أبو بكر بفتح ميم ( مَنْزِلاً ) وكسر الزاي، والباقون بضم الميم وفتح الزاي و ( المَنْزل ) و ( المُنْزَل ) كل منهما يحتمل أن يكون اسم مصدر، وهو الإنزال أو النزول، وأن يكون اسم مكان النزول أو الإنزال، إلا أنّ القياس « مُنْزَلاً » بالضم والفتح لقوله :« أَنْزِلْنِي ». وأما الفتح والكسر فعلى نيابة مصدر الثلاثي مناب مصدر الرباعي كقوله :﴿ أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً ﴾ [ نوح : ١٧ ]، وتقدم نظيره في « مُدْخَل » و « مَدْخَل » في سورة النساء واختلفوا في المنزل، فقيل : نفس السفينة، وقيل : بعد خروجه من السفينة منزلاً من الأرض مباركاً. والأول أقرب، لأنه أُمِرَ بهذا الدعاء حال استقراره، فيكون هو المنزل دون غيره.
ثم قال :﴿ وَأَنتَ خَيْرُ المنزلين ﴾، وذلك أن الإنزال في الأمكنة قد يقع من غير الله كما يقع من الله، لأنه يحفظ من أنزله في سائر أحواله. ثم بين تعالى أنّ فيما ذُكِر من قصة نوح وقومه « آيات » دلالات وعبر في الدعاء إلى الإيمان، والزجر عن الكفر، فإنّ إظهار تلك المياه العظيمة، ثم إذهابها لا يقدر عليه إلا القادر على كل المقدورات، وظهور تلك الواقعة على وفق قول نوح - عليه السلام - يدل على المعجز العظيم، وإفناء الكفار، وبقاء الأرض لأهل الطاعة من أعظم أنواع العبر. قوله :﴿ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾ « إِنْ » مخففة، و « اللام » فارقة. وقيل :« إِنْ » نافية و « اللام » بمعنى « إِلاَّ » وتقدم ذلك مراراً فعلى الأول معناه : وقد كنا، وعلى الثاني : ما كنا إلا مبتلين، فيجب على كل مكلَّف أن يعتبر بهذا الذي ذكرناه. وقيل : المراد لمعاقبين من كذب الأنبياء، وسلك مثل طريقة قوم نوح. وقيل : المراد كما عاقب بالغرق من كذب فقد نمتحن من لم يكذب على وجه المصلحة لا على وجه التعذيب، لكيلا يقدر أن كل الغرق يجري على وجه واحد.


الصفحة التالية
Icon