وقال ابن عطية : طوراً تلي الفاعل دون لام، تقول : هيهات مجيء زيد أي : بَعُدَ، وأحياناً يكون الفاعل محذوفاً عند اللام، كهذه الآية، والتقدير : بَعُدَ الوجودُ لمَا تُوعَدُونَ. ولم يستجيده أبو حيان من حيث قوله : حذف الفاعل، والفاعل لا يحذف، ومن حيث إنّ فيه حذف المصدر، وهو الموجود، وإبقاء معموله وهو « لِمَا تُوعَدُون » و « هَيْهَاتَ » الثاني تأكيد للأول تأكيداً لفظياً، وقد جاء غير مؤكد كقوله :

٣٧٩٤- هَيْهَاتَ مَنْزِلُنَا بِنَعْفِ سُوَيْقَةٍ كانت مُبَارَكَةً على الأَيَّامِ
وقال آخر :
٣٧٩٥- هَيْهَاتَ نَاسٌ مِنْ أُنَاس دِيَارُهُمْ دُقَاق ودَارُ الآخِرِينَ الأَوَائِنُ
وقال رؤبة :
٣٧٩٦- هَيْهَاتَ مِن مُنْخَرِقٍ هَيْهَاؤُه... قال القيسي شارح أبيات الإيضاح : وهذا مثل قولك :« بَعُدَ بُعْدَهُ » وذلك أَنَّه بَنَى من هذه اللفظة ( فَعْلاَلاً ) فجاء به مجيء القَلْقَال والزلزَال. والألف في « هَيْهَاتَ » غير الألف في ( هَيْهَاؤُه )، وهي في « هَيْهَاتَ » لام الفعل الثانية كقاف الحَقْحَقَة الثانية، وهي في ( هَيْهَاؤُه ) ألف الفعلال الزائدة. وفي هذه اللفظة لغات كثيرة تزيد على الأربعين، ذكر منها الصَّاغَانِي ستة وثلاثين لغة، وهي :( هَيْهَاتَ )، وأَيْهَاتَ، وهَيْهَانَ، وأَيْهَانَ وهَيْهَاه، وأَيْهَاه كل واحد من هذه الستة مضمومة الآخرة ومفتوحته، ومكسورته، وكل واحدةٍ منها منوّنة وغير منوّنة، فتكون ستًّا وثلاثين. وحكى غيره : هَيْهَاك، وأَيْهَاكَ - بكاف الخطاب -، وأَيْهاء، وأَيْهَا، وهَيْهَاء، فأمّا المشهور ما قرئ به. فالمشهور « هَيْهَات » بفتح التاء من غير تنوين بُني لوقوعه موقع المبني، أو لشبهه بالحرف، وتقدم تحقيق ذلك وبها قرأ العامة وهي لغة أهل الحجاز. و « هَيْهَاتاً » بالفتح والتنوين، وبها قرأ أبو عمرو في رواية هارون عنه ونسبها ابن عطية لخالد بن إلياس.
و « هَيْهَاتٌ » بالضم والتنوين وبها قرأ الأحمر وأبو حيوة. وبالضم من غير تنوين، ويروى عن أبي حيوة أيضاً، فعنه فيها وجهان وافقه أبو السمال في الأولى دون الثانية.
و « هَيْهَاتٍ » بالكسر والتنوين، وبها قرأ عيسى وخالد بن إلياس. وبالكسر من غير تنوين، وهي قراءة أبي جعفر وشيبة، وتُروى عن عيسى أيضاً وهي لغة تميم وأسد.
و « هَيْهَاتْ » بإسكان التاء، وبها قرأ عيسى بن عمر الهمداني أيضاً وخارجة عن أبي عمرو والأعرج و « هَيْهَاه » بالهاء آخراً وصلاً ووقفاً. و « أيْهَاتَ » بإبدال الهاء همزة مع فتح التاء، وبهاتين قرأ بعض القراء فيما نقل أبو البقاء. فهذه تسع لغات قد قرئ بهنّ لم يتواتر منها غير الأولى. ويجوز إبدال الهمزة من الهاء الأولى في جميع ما تقدم فيكمل بذلك ست عشرة لغة. و « أَيْهَان » بالنون آخراً. و « أَيْهَا » بألف آخراً.
فمن فتح التاء قالوا : فهي عنده اسم مفرد، ومن كسرها فهي عنده جمع تأنيث كزَيْنَبَات وهِنْدَات.


الصفحة التالية
Icon