٣٥٨٦- أتَوْا نَارِي فَقُلْتُ منُونَ أنتُمْ | فقالُوا الجِنُّ قُلتُ عَمُوا ظَلامَا |
وقرأ الجمهورُ « فأجَاءَهَا » أي : ألْجَأهَا وساقها، ومنه قوله :[ الوافر ]
٣٥٨٧- وجَارٍ سَارَ مُعْتَمِداً إليْكُمْ | أجَاءَتْهُ المخَافَةُ والرَّجَاءُ |
٣٥٨٧- وجَارٍ سَارَ مُعْتَمِداً إليْكُم | أجَأءَتْهُ المخَافَةُ والرَّجَاءُ |
والجمهورُ على فتح الميم من « المَخَاض » وهو وجعُ الولادةِ، ورُوِيَ عن ابن كثير بكسر الميم، فقيل : هما بمعنى، وقيل : المفتوجُ : اسمُ مصدر؛ كالعطاءِ والسلامِ، والمكسورُ مصدرٌ؛ كالقتال واللِّقاء، والفعالُ : قد جاء من واحد؛ كالعقابِ والطِّرَاقِ، قاله أبو البقاء، والميم أصليةٌ؛ لأنه من « تَمخَّضتِ الحامِلُ تَتَمخَّضُ ».
و « إلى جذْعِ » يتعلق في قراءة العامَّة ب « أجَاءَهَا » أي : ساقها إليه.
وفي قراءة حمَّاد بمحذوفٍ، لأنه حالٌ من المفعول، أي : فاجأها مستندةً إلى جذْع النَّخْلةِ.
فصل في معنى الآية
المعنى : ألْجَأهَا المخاض، وهو وجعُ الولادةِ إلى جذْعِ النَّخْلَة؛ لتستند إليها، وتتمسَّك بها عمد وجع الولادة، وكانت نخلة يابسةً في الصحراء في شدَّة الشِّتاء، ولم يكُن لها سعفٌ، ولا خُضْرة، والتعريف فيها : إمَّا أن يكون من تعريف الأسماء الغالبة؛ كتعريف النّضجم [ والصَّعق ] أو كانت تلك الصَّحراء كان فيها جذْع نخلة مشهورٌ عند النَّاس.
فإن قيل : جذعُ النَّخْلة فهم منه ذلك دون سائره، وإمَّا يكون تعريف الجنْسِ، أي : إلى جذْعِ هذه الشَّجرة خاصَّةً؛ كأنَّ الله تعالى أرشدها إلى النَّخْلة؛ ليُطعمَها منها الرُّطب الذي هو أشبه الأشياء موافقة للنُّفساء، ولأنَّ النخلة أشدُّ الأشياء صَبْراً على البَرْد، ولا تُثْمِرُ إلاَّ عند اللِّقاح، وإذا قُطِعَ رأسُها، لم تُثْمِرْ، فكأنَّ الله تعالى قال : كما أنَّ الأنثى لا تلدُ إلاَّ مع الذَّكر، فكذا النَّخلة لا تُثْمِر إلا باللِّقاح، ثم إنَّه أظهر الرُّطب من غيْر اللِّقَاح؛ ليدلَّ ذلك على جواز ظُهُور الولد من غير ذكر.