٣٥٩٦-........................ | كَمَا شَرقَتْ صَدْرُ القناةِ مِن الدَّمِ |
وأمَّا نصب « رُطَباً » فلا يخرجُ عن كونه تمييزاً، أو حالاً موطِّئة، إن كان الفعل قبله لازماً، أو مفعولاً به، إن كان الفعل متعدِّياً، [ والذَّكِيُّ ] يردُّ كلَّ شيءٍ إلى ما يليقُ به من القراءات، وجوَّز المبرِّد في نصبه وجهاً غريباً : وهو أن يكون مفعولاً به ب « هُزِّي » وعلى هذا، فتكون المسألةُ من باب التنازع في بعض القراءات : وهي أن يكون الفعل فيها متعدِّياً، وتكون المسألةُ من إعمال الثاني، للحذف من الأوَّل.
وقرأ طلحة بن سليمان « جنيًّا » بكسرِ الجيم إتباعاً لكسرةِ النون.
والرُّطبُ : اسم جنسٍ برطبة؛ بخلاف « تُخَم » فإنَّه جمعٌ لتخمة، والفرقُ : أنهم لزمُوا تذكيرهُ، فقالوا : هو الرطبُ، وتأنيث ذاك، فقالوا : هي التُّخَمُ، فذكَّرُوا « الرُّطَب » باعتبار الجنس، وأنَّثُوا « التُّخَمَ » باعتبار الجمعيَّة، وهو فرقٌ لطيفٌ، ويجمعُ على « أرطابٍِ » شذوذاً كربع وأرباع، والرُّطب : ما قطع قبل يبسه وجفافه، وخصَّ الرُّطب بالرُّطبِ من التَّمر، وأرطبَ النَّخْلُ؛ نحو : أتْمَرَ وأجْنَى.
والجَنِيُّ : ما طاب، وصلح للاجتناء، وهو « فَعِيلٌ » بمعنى مفعول أي رُطَباً مَجنيًّا، وقيل : بمعنى فاعلٍ، أي : طريًّا، والجنى والجنيُّ أيضاً : المُجْتَنَى من العسلِ، وأجْنَى الشَّجَرُ : أدْرَكَ ثمرهُ، وأجنتِ الأرضُ : كَثُرَ جناها، واستعير من ذلك « جنى فلانٌ جنايةً » كما استعير « اجْتَرَمَ جَريمَةً ».
فصل في معنى الآية
المعنى جمعنا لك بين الشُّرب والأكل.
قال عمروُ بنُ ميمُون : ليس شيءٌ خيرٌ من الثَّمر والرُّطب، ثم تلا هذه الآية.
وقال بعضُ العلماءِ : أكْلُ الرُّطبِ والثَّمرةِ للمرأةِ الَّتي ضربها الطَّلق يُسَهِّل عليها الولادة.
قال الرَّبيعُ بنُ خيثمٍ « ما للنُّفساءِ عندي خيرٌ من الرُّطب، ولا للمرضِ خيرٌ من العسل.
قالت المعتزلةُ : هذه الأفعال الخارقةُ للعادةِ كانت معجزة لزكريَّا وغيره من الأنبياء؛ وهذا باطلٌ؛ لأنَّ زكريَّا -صلوات الله عليه وسلامه- ما كان له علمٌ بحالها ومكانها، فكيف بتلك المعجزات؟ بل الحقُّ أنها كانت كراماتٍ لمريم، أو إرهاصاً لعيسى- صلوات الله عليهما-، لأنَّ النَّخلة لم تكُن مثمرةً، إذا ذاك؛ لأن ميلادهُ كان في زمان الشتاء، وليس ذاك وقت ثَمر.
قوله تعالى :﴿ وَقَرِّي عَيْناً ﴾ : نصب » عًيْناً « على التمييز منقولٌ من الفاعل؛ إذ الأصل : لتقرَّ عينُك، والعامَّة على فتح القاف من » قَرِّي « أمراً من قرَّت عينهُ تَقَرَّ، بكسر العين في الماضي، وفتحها في المضارع.