وقوله « فاعْبُدُوهُ » قد ثبت في أصُول الفقهِ أنَّ ترتيب الحكم على الوصف المناسب مُشْعِرٌ بالعليَّة، فها هنا وقه الأمر بالعبادة مُرتبَّا على ذكر وصف الربوبيَّة، فدلَّ على أنَّه إنَّما يلزمنا عبادته سبحانه؛ لكونه ربَّا لنا؛ وذلك يدلُّ على أنه تعالى إنَّما تجبُ عيادتهُ لكونُهُ منعماً على الخلائق بأنواع النِّعم؛ ولذلك فإنَّ إبراهيم- صلوات الله عليه وسلامه- لمَّا منع أباه من عبادة الأوثان، قال :﴿ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً ﴾ [ مريم : ٤٢ ] أي : إنَّها لما لم تكن منعمة على العبادِ، لم تجزِ عيادتها، وبيّن ها هنا أنَّه لما ثبت أن الله تعالى لمَّا كلن ربَّا ومُربَّياً، وجبتْ عبادتهُ، فقد ثبت طرداً وعكساً تعلُّق العبادة والصاحبة صراط مُنْعِماً، ثم قال :﴿ هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴾ [ يعني القول بالتوحيد ونفي الولد والصاحبة صراط مستقيم، وسمي هذا القول صراطاً مستقيماً ] تشبيهاً بالطَّريق؛ لأنَّه المؤدِّي إلى الجنة.