وقيل : لكن الظَّالمُون اليوم في الآخرة في ضلال عن الجنَّة؛ بخلاف المؤمنين.
وقوله ﴿ لكن الظالمون ﴾ من إيقاع الظَّاهر موقع المضمر.
قوله :﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحسرة ﴾ هذا أمرٌ لمحمَّد -صلوات الله عليه وسلم- بأن ينذر من في زمانه، والإنذار : التخويفُ من العذاب، لكي يحذروا ترك عبادةِ الله تعالى، ويوم الحسرة : هو يوم القيامة؛ لأنَّه يكثر التحسُّر من أهل النَّار.
وقيل : يتحسَّر أيضاً في الجنَّة، إذا لم يكن من السابقين إلى الدَّرجات العالية؛ لقول رسول الله -صلوات الله عليه وسلامه- :« مَا مِنْ أحدٍ يمُوتُ إلاَّ ندمَ، قالوا : فَما ندمهُ يا رسُول الله ﷺ ؟ قال ﷺ : إنَّ كان مُحْسناً، ندم ألاَّ يكون ازداد، وإن كان مسيئاً ندم ألاَّ يكون نزَعَ » والأول أصحُّ؛ لأن الحسرة [ هَمٌّ ]، ولا تليقُ بأهْل الجنَّة.
قوله :﴿ إِذْ قُضِيَ الأمر ﴾ : يجوز أن يكون منصوباً بالحسرةِ، والمصدرُ المعرَّفُ ب « ألْ » يعملُ في المفعولِ الصَّريح عند بعضهم، فكيف بالظَّرف؟ ويجوز أن يكون بدلاً من « يَوْم » فيكون معمولاً ل « أنْذِرْ » كذا قال أبو البقاء، والزمخشريُّ وتبعهما أبو حيان، ولم يذكر غير البدل، وهذا لا يجوز إن كان الظَّرف باقياً على حقيقته؛ إذ يستحيلُ أن يعمل المستقبلُ في الماضي، فإن جعلت « اليوم » مفعولاً به، أي : خوِّفهُم نفس اليوم، أي : إنَّهُم يخافُون اليوم نفسهُ، صحَّ ذلك لخُرُوجِ الظَّرف إلى حيِّز المفاعيل الصريحة.
فصل في قوله تعالى ﴿ إِذْ قُضِيَ الأمر ﴾
في قوله تعالى :﴿ إِذْ قُضِيَ الأمر ﴾ وجوه :
أحدها : قُضِيَ الأمرُ ببيان الدَّلائل، وشرح أمر الثَّواب والعقاب.
وثانيها :[ إذ قضي الأمرُ يوم الحسرة بفناء الدُّنيا، وزوالِ التَّكليف، والأول أقرب؛ لقوله :﴿ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾.
وثالثها :] « إذْ قُضِيَ الأمْرُ » فُرِغَ من الحساب، وأدخل أهل الجنَّة الجنَّة، وأهلُ النَّار النَّار، وذُبح الموتُ؛ كما روي أنَّه سُئل النبيُّ ﷺ عن قوله :﴿ إِذْ قُضِيَ الأمر ﴾ فقال :« حِينَ يَجاءُ بالموتِ على صُورة كبشٍ أمْلَحَ، فيذبحُ، والفريقان ينظران؛ فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحٍ، وأهلُ النَّار غمَّا إلى غمِّ ».
قوله تعالى :﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ جملتان حاليتان، وفيهما قولان :
أحدهما : أنهما حالان من مفعول « أنذِرْهُم » [ أي : أنذرهُم على هذه الحالِ، وما بعدها، وعلى الأول يكون قوله « وأنْذِرْهُم » ] اعتراضاً.
والمعنى : وهم في غفلةٍ عمَّا يفعلُ بهم في الآخرة ﴿ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ ولا يصدقون بذلك اليومِ.
قوله تعالى :﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرض وَمَنْ عَلَيْهَا ﴾ أي : نُميتُ سُكَّان الأرض، ونُهلِكُهم جميعاً، ويبقى الرَّبُّ وحده، فيرثُهُم ﴿ وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾، فنجزيهم بأعمالهم.
[ وقرأ العامَّةُ « يُرْجَعُون » بالياء من تحت مبنيًّا للمفعول، والسُّلمي، وابن أبي إسحاق، وعيسى مبنيًّا للفاعل، والأعرج بالتاء من فوقُ مبنيًّا للمفعول على الخطاب، ويجوز أن يكون التفاتاً، وألا يكون ].