﴿ وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً ﴾.
قيل : يعني في الجنَّةِ، وقيل : هي الرِّفعة بعُلُوِّ الرُّتْبَة في الدُّنيا؛ كقوبه تعالى ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [ الشرح : ٤ ] وقيل : إنَّه رفع إلى السماءِ؛ روى أنسُ بن مالكٍ -Bه- عن مالك بن صعصعة، عن النبي ﷺ أنَّه رأى إدريسَ -صلوات الله عليه- في السماءِ الرَّابعةِ، ليلة المعراج وكان سببُ رفع إدريس على ما قاله « كَعْبٌ » وغيره -أنَّهُ [ سَارَ ] ذات يومٍ في حاجةٍ، فأصابه وهج الشمس؛ فقال : يا ربِّ، أنا مشيتُ يوماً فيها؛ فأصابني المشقةُ الشديدة من وهج الشمس، وأضرَّني حرُّها ضرراً بليغاً -فكيف يحملُها مسيرة خمسمائةِ عامٍ في يومٍ واحدٍ؟! اللَّهُمَّ، خفِّف عنه من ثقلها، وحرِّها، فلمَّا أصبح الملكُ، وجد من خفَّة الشَّمس، وحرها ما لا يعرف؛ فقال : يا ربِّ، ما الذي قضيت فيه؟ قال : إنَّ عبدي إدريس سألني أنَّ أخفِّفق عنك حملها، وحرِّها؛ فأجبته، فقال : ربِّ، اجعل بيني وبينه خُلَّة، فأذن له؛ حتى أتى إدريسَ، فكان يسألُه إدريسُ، فقال له : إنِّي أخبرتُ أنَّك أكرمُ الملائكةِ، وأمكنُهم عن ملكِ الموتِ؛ فاسشفعْ لي إليه؛ ليُؤخِّر أجلِي؛ فأزداد شكراً وعبادة، فقال الملكُ : يؤخِّرُ الله نفساً، إذا جاء أجلهان وأنا مُكَلِّمُهُ، فرقعهُ إلى السَّماءِ، ووضعهُ عند مطلع الشَّمس، ثُمَّ أتى ملك الموتِ، فقال : حاجةٌ لي إليك؛ صديقٌ لي مِنْ بني آدم، تشفَّع بي إليك؛ تُؤخِّر أجله، قال : ليس ذلك إليّ، ولكت إن أحببت، أعلمته أجله؛ فيتقدَّمُ في نفسه، قال : نَعَم، فنظر في ديوانه، فقال : إنَّك كلَّمتني في إنسانٍ، ما أراه أن يموت أبداً، قال : وكيف؟ قال : لا أجده يموتُ إلا عند مطلع الشَّمس، قال : فإني أتَيْتُكَ، وتركته هناك : قال : انطللقْ، فلا أرَاكَ تجده إلاَّ وقد مات؛ فواللهِ، ما بقي من أجلِ إدريسَ شيءٌ؛ فرجع الملكُ، فوجده ميتاً.
واحتلفُوا في أنَّه حيٌّ في السماء، أم ميِّتٌ؛ فقيل : هو ميتٌ، وقيل : حيٌّ، وقيل : أربعةٌ من الأنبياء أحياءٌ، اثنان في الأرض؛ « الخَضِرُ، وإلياسُ » واثنان في السماءِ « إدريسُ، وعيسَى » صلواتُ الله عليهم.