والثاني : أن يكون هو « عِبَادَهُ »، أي : وهم غائبون عنها لا يرونها، إنما آمنوا بها بمجرد الإخبار عنه.
والوجه الثاني : أن الباء سببية، أي : بسبب تصديقه الغيب، وبسبب الإيمان « به ».
قوله :« إنَّهُ كَانَ ». يجوز في هذا الضمير وجهان :
أحدهما : أنه ضمير الباري تعالى يعود على « الرحمن » أي : إن الرحمن كان وعده مأتياً.
والثاني : أنه ضمير الأمر والشأن، لأن مقام تعظيم وتفخيم.
وعلى الأول يجوز أن يكون في « كان » ضمير هو اسمها يعود على الله -تعالى- و « وَعْدُهُ » بدل من ذلك الضمير بدل اشتمال، و « مَأتِيًّا » خبرها.
ويجوز أن لا يكون فيها ضمير، بل هي رافعة ل « وعده » و « مأتياً » الخبر أيضاً.
وهو نظير : إن زيداً كان أبوه منطلقاً.
و « مأتيًّا » فيه وجهان :
أحدهما : أنه مفعول على بابه، والمراد بالوعد : الجنة، أطلق عليها المصدر، أي : موعود، نحو درهم ضرب الأمير.
وقيل : الوعد مصدر على بابه، و « مأتيا » مفعول بمعنى فاعل. ولم يرتضه الزمخشري فإنه قال : قيل في « مأتيا » مفعول بمعنى فاعل، والوجه أن الوعد هو الجنة، وهم يأتونها، أوهو من قولك : أتى إليه إحساناً، أي : كان وعده مفعولاً منجزاً.
وقال الزجاج : كل ما وصل إليك فقد وصلت إليه، وما أتاك فقد أتيته.
والمقصود من قوله :﴿ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً ﴾ بيان أن وعده تعالى -وإن كان بأمر غائب- فهو كأنه مشاهد حاصل، والمراد تقرير ذلك في القلوب.
قوله :﴿ لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً ﴾. اللغو من الكلام : ما يلقى ويطرح، وهو المنكر من القول كقوله :﴿ لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً ﴾ [ الغاشية : ١١ ]. وقال مقاتل : هي اليمين الكاذبة وفيه دلالة على وجوب اجتناب اللغو، لأن الله -تعالى- نزه عنه الدار التي لا تكليف فيها، ولقوله :﴿ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً ﴾ [ الفرقان : ٧٢ ]، وقوله :﴿ وَإِذَا سَمِعُواْ اللغو أَعْرَضُواْ عَنْهُ ﴾ [ القصص : ٥٥ ] الآية.
أبدى الزمخشري فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون معناه : إن كان تسليم بعضهم على بعض، أو تسليم الملائكة عليهم لغواً، فلا يسمعون لغواً إلا ذلك، فهو من وادي قوله :
٣٦١١- وَلا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أنَّ سُيُوفَهُمْ | بِهِنَّ فلولٌ مِنْ قِراعِ الكَتائِبِ |
الثالث : أن معنى السلام هو الدعاء بالسلامة، ودار السلامة هي دار السلامة، وأهلها أغنياء عن الدعاء بالسلامة، فكان ظاهره من باب اللغو وفضول الحديث، لولا ما فيه من فائدة الإكرام.
وظاهر هذا أن الاستثناء على الأول والأخير متصل، فإنه صرح بالمنقطع في الثاني وأما اتصال الثالث فواضح، لأنه أطلق اللغو على السلام بالاعتبار الذي ذكره.