وأما القراءة الثالثة فتحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون أصلها الهمز كقراءة حمزة إلا أنه أُبدل من الهمز ياءً، وأُدغِم، فيتحد معنى القراءتين. ويحتمل أن تكون نسبة إلى الدُّرِّ لصفائها، وظهور ( إشراقها ).
وأما قراءة تشديد الياء مع فتح الدال وكسرها، فالذي يظهر أنه منسوب إلى الدُّرّ. والفتح والكسر في الدال من باب تغييرات النسب. وأما فتح الدال مع المد والهمز ففيها إشكال.
قال أبو الفتح : وهو بناءٌ عزيز لم يُحْفَظ منه إلاّ السَّكِّينة بفتح الفاء وتشديد العين.
قال شهاب الدين : وقد حكى الأخفش فعلية السَّكِّينَة والوَقَار، وكَوْكَبٌ دَرِّيءٌ من ( دَرَأْتُه ). قوله :« تُوقَدُ » قرأ ابن كثير وأبو عمرو « تَوَقَّدَ » بزنة « تَفَعَّلَ » فعلاً ماضياً فيه ضمير فاعله يعود على « المِصْبَاح »، ولا يعود على « كَوْكَبٍ » لفساد المعنى. والأخوان وأبو بكر :« تُوقَدُ » بضم التاء من فوق وفتح القاف مضارع « أَوقَدَ »، وهو مبني للمفعول، والقائم مقام الفاعل ضمير يعود على « زُجَاجَة » فاستتر في الفعل. وباقي السبعة كذلك إلا أنه بالياء من تحت، والضمير المستتر يعود « المِصْبَاح ». وقرأ الحسن والسُّلمي وابن مُحيصن ورُويَتْ عن عاصم من طريق المُفضَّل كذلك إلا أنه ضمَّ الدَّال، جعله مضارع « تَوَقَّدَ »، والأصل « تَتَوَقَّد » بتاءين فحذف إحداهما ك « تَتَذَكّر »، والضمير أيضاً للزجاجة.
وقرأ عبد الله « وُقِّدَ » فعلاً ماضياً بزنة « قُتِّلَ » مشدداً، أي :« المصْبَاحُ » وقرأ الحسن وسلام أيضاً « يَوَقَّدُ » بالياء من تحت وضم الدال مضارع « توقد »، والأصل « يتوقد » بياء من تحت وتاء من فوق، فحذف التاء من فوق ( و ) هذا شاذٌ، إذ لم يَتَوال مِثلان، ولم يَبْقَ في اللفظ ما يدل على المحذوف، بخلاف « تَنَزَّلُ » و « تَذَكَّرُ » وبابه، فإن فيه تاءين، والباقي يدل على ما فُقِدَ. وقد يُتَمَحَّلُ لصحته وجه من القياس، وهو أنهم قد حملوا « أَعِدُ » و « تَعِدُ » و « نَعِدُ » على « يَعِدُ » في حذف الواو لوقوعها بين ياء وكسرة، فكذلك حملوا « يَتَوَقّدُ » بالياء والتاء على « تَتَوَقَّدُ » بتاءين وإن لم يكن الاستثقال موجوداً في الياء والتاء.