وثالثها : أن الزيت يختلف باختلاف شجرته، فإذا كانت لا شرقية ولا غربية بمعنى أنها كانت بارزة للشمس ( في كل حالاتها يكون زيتونها أشد نضجاً، فكان زيته أكثر صفاءً، لأن زيادة تأثير الشمس ) تؤثر في ذلك، فإذا اجتمعت هذه الأمور وتعاونت صار ذلك الضوء خالصاً كاملاً، فيصلح أن يجعل مثلاً لهداية الله تعالى.
فصل
قال بعضهم :« هذه الآية من المقلوب والتقدير : مثل نوره كمصباح في مشكاة، لأن المشبه به هو الذي يكون معدناً للنور ومنبعاً له، وذلك هو المصباح لا المشكاة ».
فصل
قال مجاهد :« المِشْكَاة » : القنديل، والمعنى : كمصباح في مشكاة. المصباح في زجاجة، يعني :« القنديل » قال الزجاج : إنما ذكر الزجاجة لأن النور وضوء النار فيها أبين في كل شيء، وضوؤه يزيد في الزجاج. ثم وصف الزجاجة فقال :﴿ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ﴾. والدَّرُّ : الدفع، لأن الكواكب تدفعُ الشياطينَ من السماء. وشبيه حالة الدفع، لأنه يكون في تلك الحالة أضوأ وأنور. وقيل :« دري » أي : طالع، يقال : درى النجم : إذا طلع وارتفع، ويقال : هو من درأ الكوكب : إذا اندفع منْقضاً فيضاعف ضوؤه في ذلك الوقت ) ( ويقال : درأ علينا فلان، أي : طلع وظهر. وقيل : الدري أي ضخم مضى، ودراري النجوم : عظامها. وقيل : الكوكب الدري واحد من الكواكب الخمسة العظام، وهي : زحل، والمريخ والمشتري، والزهرة وعطارد. وقيل : الكواكب المضيئة كالزهرة والمشتري والثوابت التي في المعظم الأول. فإن قيل : لم شبهه بالكوكب ولم يشبهه بالشمس والقمر؟.
فالجواب لأن الشمس والقمر يلحقها الخسوف، والكواكب لا يلحقها الخسوف. « توقّد » يعني : المصباح، أي : اتَّقَدَ. ويقال : توقدت النار، أي : اتقدت، يعني : نار الزجاجة، لأن الزجاجة لا توقد. هذا على قراءة من ضم التاء وفتح القاف.
وأما على قراءة الآخرين ف « توقد » يعني المصباح ﴿ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ ﴾ أي : من زيت شجرة مباركة، فحذف المضاف بدليل قوله :﴿ يَكَادُ زَيْتُهَا يضياء ﴾. وأراد بالشجرة المباركة : الزيتون وهي كثيرة البركة والنفع : لأن الزيت يسرج به وهو أضوأ وأصفى الأدهان، وهو إدام وفاكهة، ولا يحتاج في استخراجه إلى عصار، بل كل أحد يستخرجه. وقيل : أول شجرة نبتت بعد الطوفان، وبارك فيها سبعون نبياً منهم الخليل. وجاء في الحديث أنه مصحة من الباسور، وهي شجرة تورق من أعلاها إلى أسفلها. وقال عليه السلام :« كُلُوا الزَّيْتَ وادهنُوا بِهِ فإِنَّهُ من شَجَرة مُبَارَكةٍ ».
وقيل : المراد زيتون الشام، لأنه في الأرض المباركة فلهذا جعل الله هذه الشجرة بأنها ﴿ لا شرقية ولا غربية ﴾ واستدلوا على ذلك بوجوه :
أحدها : أن الشام وسط الدنيا، فلا توصف شجرتها بأنها شرقية أو غربية.