وقال الراغب : السَّامِر : الليل المظلم يقال : وَلاَ آتِيكَ ما سَمَرَ ابْنَا سَمِيرٍ يعنون الليل والنهار. وقال الراغب : ويقال : سَامِرٌ، وسُمَّارٌ، وسَمَرَةٌ، وسَامِرُونَ. وسَمَرْتُ الشيءَ، وإبل مُسْمَرَةٌ، أي : مُهْمَلَةٌ، والسَّامِريُ : منسوب إلى رجل انتهى.
والسُّمْرَةُ أحج الألوان، والسَّمْرَاء يكنى بها عن الحِنْطَة.
قوله :« تَهْجُرُونَ » قرأ العامة بفتح التاء وضم الجيم، وهي تحتمل وجهين :
أحدهما : أنها من الهَجْر بسكون الجيم، وهو القطع والصدّ. أي تهجرون آيات الله ورسوله، وتزهدون فيهما فلا تصلونهما.
والثاني : أنها من الهَجَر - بفتحها - وهو الهذيان، يقال : هَجَر المريض هَجَراً أي : هذى فلا مفعول له. ونافع وابن محيصن بضم التاء وكسر الجيم من أَهْجَر إهْجاراً، أي : أفحش في منطقه قال ابن عباس : يعني كانوا يسبون النبي ﷺ وأصحابه وقرأ زيد بن علي، وابن محيصن، وأبو نهيك بضم التاء وفتح الهاء وكسر الجيم مشددة مضارع هَجّر بالتشديد، وهو محتمل لأن يكون تضعيفاً للهَجَر أو للهَجْر ( أو للهُجْر ) وقرأ ابن أبي عاصم كالعامة إلا أنه بالياء من تحت، وهو التفات.
قوله :﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ القول ﴾ أي : يتدبروا القول، يعني ما جاءهم من القول وهو القرآن من حيث إنه كان مبايناً لكلام العرب في الفصاحة، ومبرأ من التناقض مع طوله، فيعرفوا ما فيه من الدلالات على صدق محمد ﷺ، ومعرفة الصانع، والوحدانية، فيتركوا الباطل، ويرجعوا إلى الحق ﴿ أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ الأولين ﴾ واعلم أنّ إقدامهم على كفرهم وجهلهم لا بُدّ وأن يكون لأحد أمور أربعة :
الأول : أن لا يتأملوا دليل ثبوته، وهو المراد من قوله :﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ القول ﴾ وهو القرآن يعني : أنه كان معروفاً لهم.
والثاني : أن يعتقدوا أن مجيء الرسول على خلاف العادة، وهو المراد من قوله :﴿ أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ ﴾ وذلك أنهم عرفوا بالتواتر مجيء الرسول إلى الأمم السالفة، وكانت الأمم بين مُصدّقٍ ناجٍ وبين مكذّبٍ هالك، أفَمَا دعاهم ذلك إلى تصديق الرسل.
وقال بعضهم :« أَمْ » هاهنا بمعنى « بَلْ » والمعنى بل جاءهم ما لم يأت آباءهم.
والثالث : أن لا يكونوا عالمين بديانته، وحسن خصاله قبله ادعائه النبوة، وهو المراد من قوله :﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾ والمعنى : أنهم كانوا يعرفونه قبل أن يدعي الرسالة، وكونه في نهاية الأمانة والصدق وغاية الفرار عن الكذب والأخلاق الذميمة، وكانوا يسمونه الأمين، فكيف كذبوه بعد أن اتفقتْ كلمتهم على تسميته بالأمين.
والرابع : أن يعتقدوا فيه الجنون، فيقولوا إنّما حمله على ادعاء الرسالة جنونه، وهو المراد بقوله ﴿ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ ﴾. وهذا أيضاً ظاهر الفساد، لأنّهم كانوا يعلمون بالضرورة أنه أعقل الناس، فالمجنون كيف يمكنه أن يأتي بمثل ما أتى به من الدلائل القاطعة، والشرائع الكاملة.


الصفحة التالية
Icon