فصل


اختلفوا في هذا التسبيح. فالأكثرون حملوه على الصلاة المفروضة، وهؤلاء منهم من حمله على صلاة الصبح والعصر، فقال : كانتا واجبتين في بدء الحال ثم زيد فيهما، وقال عليه السلام :« من صلى صلاة البردين دخل الجنة » وقيل : أراد الصلوات المفروضة، فالتي تؤدى بالغداة صلاة الفجر، والتي تؤدى بالآصال صلاة الظهر والعصر والعشائين لأن اسم الأصيل يجمعهما، و « الآصال » جمع أَصيل، وهو العشي.
وإنما وحد « الغدو » لأنه مصدر في الأصل لا يجمع، و « الأَصيل » اسم فجمع.
قال الزمخشري :« بالغدو، أي بأوقات الغد، أي بالغدوات ».
وقيل : صلاة الضحى، قال عليه السلام :« من مشى إلى صلاة مكتوبة وهو متطهِّر، فأجره كأجر الحاجِّ المُحْرم، ومن مشى إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المُعْتَمِر، وصلاةٌ على إثر صلاة لا لَغْوَ بينهما كتاب في عِلِّيِّين » وقال ابن عباس :« إنّ صلاة الضحى لفي كتاب الله ( مذكورة ) ( وتلا هذه ) الآية. وقيل : المراد منه تنزيه الله تعالى عما لا يليق به في ذاته وفعله؛ لأنه قد عطف على ذلك الصلاة والزكاة فقال :﴿ عَن ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصلاة وَإِيتَآءِ الزكاة ﴾. وهذا الوجه أظهر.
وقرئ :»
بالغدو والإيصَالِ « وهو الدخول في الأصل.
قوله :»
لا تُلْهِيهِمْ « في محل رفع صفة ل » رِجَالٌ «. ( و ) خص الرجال بالذكر في هذه المساجد، لأنه ليس على النساء جمعة ولا جماعة في المسجد. » لاَ تُلْهِيهِمْ « : تشغلهم، » تِجَارَةٌ « قيل : خص التجارة بالذكر، لأنها أعظم ما يشتغل به الإنسان عن الصلاة والطاعات.
قال الحسن : أما والله إنهم كانوا يتجرون، ولكن إذا جاءتهم فرائض الله لم يلههم عنها شيء، فقاموا بالصلاة والزكاة. فإن قيل : البيع داخل في التجارة، فلم أعاد البيع؟ فالجواب من وجوه :
الأول : أن التجارة جنس يدخل تحته أنواع الشراء والبيع، وإنما خص البيع بالذكر لأن الالتهاء به أعظم، لكون الربح الحاصل من البيع معين ناجز، والربح الحاصل من الشراء مشكوك مستقبل.
الثاني : أن البيع تبديل العرض بالنقدين، والشراء بالعكس، والرغبة في تبديل النقد أكثر من العكس.
الثالث : قال الفراء : التجارة لأهل الجَلْب، يقال : تجر فلان في كذا : إذا جلب من غير بلده، والبيع ما باعه على يديه.
الرابع : أراد بالتجارة الشراء وإن كان اسم التجارة يقع على البيع والشراء جميعاً، لأنه ذكر البيع بعده كقوله تعالى :﴿ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ﴾ [ الجمعة : ١١ ] يعني : الشراء.
قوله :﴿ عَن ذِكْرِ الله ﴾ عن حضور المساجد لإقامة الصلاة. فإن قيل : فما معنى قوله :»
وَإقَامِ الصَّلاَةِ؟ « فالجواب قال ابن عباس : المراد بإقامة الصلاة : إقامتها لمواقيتها، لأن من أخر الصلاة عن وقتها لا يكون من مقيمي الصلاة.


الصفحة التالية
Icon