قال الزمخشري : كقولك : أَعْجَبَنِي زَيْدٌ وَكَرَمُهُ، أي : كَرَمُ زَيْدٍ، ومنه :

٣٨٤٦- وَمَنْهَلٍ مِنَ الفَيَافِي أَوْسَطُهْ غَلَّسْتُهُ قَبْلَ القَطَا وفَرَطُهْ
أي : قبل فَرطِ ( القطا ) يعني : قبل تقدَّم القطا. وقرأ أبو جعفر والجحدري وخالد بن إلياس والحسن :« ليُحْكَمَ بَيْنَهُمْ » هنا، والتي بعدها مبنياً للمفعول، والظرف قائم مقام الفاعل.
قوله :« إذا فَرِيقٌ » « إذَا » هي الفجائية، وهي جواب « إذَا » الشرطية أولاً وهذا أحد الأدلة على منع أن يعمل في « إذا » الشرطية جوابها، فإن ما بعد الفجائية لا يعمل فيما قبلها، كذا ذكره أبو حيان، وتقدم تحرير هذا وجواب الجمهور عنه.
قوله :« إلَيْهِ » يجوز تعلقه ب « يَأْتوا »، لأنَّ « أَتَى » و « جَاءَ » قد جاءا مُعَدَّيَيْن ب « إلى »، ويجوز أن يتعلق ب « مُذْعِنِينَ » لأنه بمعنى : مسرعين في الطاعة. وصححه الزمخشري، قال : لتقدُّم صلته، ولدلالته على الاختصاص، و « مُذْعِنِينَ » حال والإذعان : الانقياد، يقال : أَذْعَنَ فلانٌ لفلان، انقَادَ لَهُ. وقال الزجاج :« الإذْعَانُ : الإسراع مع الطاعة ».
قوله :﴿ أَمِ ارتابوا أَمْ يَخَافُونَ ﴾. « أَمْ » فيهما منقطعة، فتقدر عند الجمهور بحرف الإضراب وهمزة الاستفهام، تقديره : بل أَرْتَابُوا بل أَيَخَافُونَ، ومعنى الاستفهام هنا : التقرير والتوقيف، ويبالغ فيه تارة في الذم كقوله :
٣٨٤٧- أَلَسْتَ مِنَ القَوْم الَّذِينَ تَعَاهَدُوا عَلَى اللُّؤمِ وَالفَحْشَاءِ في سَالِفِ الدَّهْرِ
وتارة في المدح كقوله جرير :
٣٨٤٨- أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطَايا وَأَنْدَى العَالَمِينَ بُطُونَ رَاحِ
و « أَنْ يَحِيفَ » مفعول الخوف والحوف : الميل والجور في القضاء، يقال : حاف في قضائه، أي :( مال ).

فصل


قوله ﴿ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ ﴾ نفاق « أَم ارْتَابُوا » شكوا، وهو استفهام ذم وتوبيخ، أي هم كذلك، ﴿ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ الله عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ﴾ أي : يظلم ﴿ بَلْ أولئك هُمُ الظالمون ﴾، لأنفسهم بإعراضهم عن الحق.
قال الحسن بن أبي الحسن : من دعا خصمه إلى حكم من أحكام المسلمين فلم يجب، فهو ظالم فإن قيل : إذا خافوا أن يحيف الله عليهم ورسوله فقد ارتابوا في الدين، وإذا ارتابوا ففي قلوبهم مرض، فالكل واحد، فأي فائدة في التعديد؟
فالجواب : قوله :﴿ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ ﴾ إشارة إلى النفاق، وقوله :« أَم ارْتَابُوا » إشارة إلى أنهم بلغوا في حب الدنيا إلى حيث يتركون الدين بسببه. فإن قيل : هذه الثلاثة متغايرة ولكنها متلازمة، فكيف أدخل عليها كلمة « أم » ؟
فالجواب الأقرب أنه تعالى أنبههم على كل واحدة من هذه الأوصاف، فكان في قلوبهم مرض وهو النفاق، وكان فيها شك وارتياب، وكانوا يخافون الحيف من الرسول، وكل واحد من ذلك كفر ونفاق، ثم بين تعالى بقوله :﴿ بَلْ أولئك هُمُ الظالمون ﴾ بطلان ما هم عليه، لأن الظلم يتناول كل معصية، كما قال تعالى :﴿ إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [ لقمان : ١٣ ].


الصفحة التالية
Icon