وقال الكلبي :« كانوا إذا اجتمعوا ليأكلوا طعاماً عزلوا للأعمى طعاماً على حدة، وكذلك المزمن والمريض، فبيّن الله لهم أن ذلك غير واجب ». قوله :« جَمِيعاً » حال من فاعل « تَأْكُلُوا »، و « أَشْتَاتاً » عطف عليه، وهو جمع « شَتّ » و « شَتَّى » جمع « شَتيت ». و « شَتَّانَ » تثنية « شت ». قال المفضل : وقيل : الشت : مصدر بمعنى : التفرق، ثم يوصف به ويجمع.
قوله :﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ على أَنفُسِكُمْ ﴾. أي : ليسلم بعضكم على بعض، جعل أنفس المسلمين كالنفس الواحدة، كقوله تعالى :﴿ وَلاَ تقتلوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [ النساء : ٢٩ ]. قال ابن عباس :« فإن لم يكن أحد فعلى نفسه يسلم، ليقل : السلام علينا من قبل ربنا ».
قال جابر وطاوس والزهري وقتادة والضحاك وعمرو بن دينار :« إذا دخل الرجل بيت نفسه يسلم على أهله ومن في بيته ». وقال قتادة :« إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك، فهم أحق من سلمت عليهم، وإذا دخلت بيتاً لا أحد فيه فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، حدثنا أن الملائكة ترد عليه » وعن ابن عباس في قوله :﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ على أَنفُسِكُمْ ﴾ قال :« إذا دخلت المسجد فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ». قال القفال :« وإن كان في البيت أهل الذمة فليقل : السلام على من اتبع الهدى ».
قوله :« تَحيَّةً » منصوب على المصدر من معنى « فَسَلِّمُوا » فهو من باب : قَعَدْتُ جُلُوساً، كأنه قال : فحيوا تحية، وتقدم وزن « التحية ». و ﴿ مِّنْ عِندِ الله ﴾ يجوز أن يتعلق بنفس « تَحية » أي : التحية صادرة من جهة الله، و « مِنْ » لابتداء الغاية مجازاً إلا أنه يعكر على الوصف تأخر الصفة الصريحة عن المؤولة، وتقدم ما فيه.
فصل
﴿ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ الله ﴾ أي : مما أمركم الله به. قال ابن عباس : من قال : السلام عليكم، ( معناه : اسم الله عليكم « مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ». قال ابن عباس ) :« حسنة جميلة » وقال الضحاك :« معنى البركة فيه تضعيف الثواب » ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمُ الآيات ﴾ أي : يفصل الله شرائعه « لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ » عن الله أمره ونهيه. قال أنس :« وقفت على رأس النبي - ﷺ - أصب الماء على يديه، فرفع رأسه وقال :» ألا أعلمك ثلاث خصال تنتفع بها « ؟ فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله، بلى. قال :» من لقيت من أمتي فسلم عليهم يطل عمرك، وإذا دخلت بيتاً فسلم عليهم يكثر خير بيتك، وصل صلاة الضحى فإنها صلاة الأوابين «.