قوله تعالى :﴿ واتخذوا ﴾ يجوز أن يعود الضمير على الكفار الذين تضمنهم لفظ العالمين، وأن يعود على من ادَّعى لله شريكاً وولداً، لدلالة قوله :﴿ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ ﴾ [ الفرقان : ٢ ] وأن يعود على المنذرين، لدلالة « نذيراً » عليهم.
قوله :« لا يَخْلُقُونَ » صفة ل « آلهة »، وغلب العقلاء على غيرهم؛ لأن الكفار كانوا يعبدون العقلاء كعزير والمسيح والملائكة وغيرهم كالكواكب والأصنام. ومعنى « لا يخلقون » لا يقدرون على التقدير، والخلق يوصف به العباد قال زهير :
٣٨٦٠- ولأنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْت وبع | ضُ القَوم يخلُق ثم لا يَفْرِي |
وقيل : بمعنى يختلقون كقوله :« وتَخْلُقُون إفْكاً ».
فصل
لما وصف نفسه بصفات الجلال والعزة والعلو أردفه بتزييف مذهب عبدة الأوثان من وجوه : منها : أنها ليست خالقة للأشياء، والإله يجب أن يكون قادراً على الخلق والإيجاد ومنها : أنها مخلوقة، والمخلوق محتاج، والإله يجب أن يكون غنياً. ومنها : أنها لا تملك لأنفسها ضراً ولا نفعاً، ومن كان كذلك لا يملك موتاً ولا حياةً ولا نُشُوراً. أي : لا يقدر على الإحياء والإماتة لا في زمن التكليف، ولا في زمن المجازاة، ومن كان كذلك كيف يسمى إلهاً، وكيف يستحق العبادة؟.
فصل
احتج أهل السنة بقوله :« ولا يَخْلُقُونَ شَيْئاً » على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى لأنه عاب هؤلاء الكفار من حيث عبدوا ما لا يَخْلُق شيئاً، وذلك يدل على أن من خلق يستحق أن يعبد، فلو كان العبد خالقاً لكان معبوداً إلهاً. وأجاب الكعبي بأنا لا نطلق اسم الخالق إلا على الله تعالى، ( وقال بعض أصحابنا في الخلق : إنه الإحداث لا بعلاج وفكر وتعب ولا يكون ذلك إلا لله تعالى.
ثم قال : قد قال الله تعالى ) :﴿ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ ﴾ [ الأعراف : ١٩٥ ] في وصف الأصنام، أفيدل ذلك على أن كل من له رجل يستحق أن يعبد. فإذا قالوا : لا. قيل : فكذلك ما ذكرتم، وقد قال الله تعالى :﴿ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين ﴾ [ المؤمنون : ١٤ ] هذا كله كلام الكعبي.
والجواب : قوله : لا نطلق اسم الخالق على العبد. قلنا : بل يجب ذلك، لأن الخلق في اللغة هو التقدير، والتقدير يرجع إلى الظن والحسبان، فوجب أن يكون اسم الخالق حقيقة في العبد مجازاً في الله، فكيف يمكنهم منع إطلاق لفظ الخالق على العبد؟. وأما قوله تعالى :﴿ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ ﴾ [ الأعراف : ١٩٥ ] فالعيب إنما وقع عليهم، فلا جرم أن من تحقق العجز في حقه من بعض الوجوه لم يحسن عبادته. وأما قوله :﴿ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين ﴾ [ المؤمنون : ١٤ ] فتقدم الكلام عليه. واعلم أن في استدلال أهل السنة بالآية نظر، لاحتمال أن الغيب إنما حصل بمجموع الأمرين، وهو كونهم ليسوا بخالقين، وكونهم مخلوقون، والعبد وإن كان خالقاً إلا أنه مخلوق، فلا يلزم أن يكون العبد إلهاً معبوداً.
فصل
دلَّت الآية على البعث، لأنه تعالى ذكر النشور، ومعناه : أن المعبود يجب أن يكون قادراً على إيصال الثواب إلى المطيعين، والعقاب إلى العصاة، فمن لا يكون كذلك يجب أن لا يصلح للإلهية.