وقيل : ما كان ينبغي لنا أن نكون أمثال الشياطين. وقيل : ما كان لنا أن نتخذ من دون رضاك من أولياء، أي : إنا علمنا أنك لا ترضى بهذا فما فعلنا، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وقيل : قالت الملائكة :( إنَّا وهم عبيدك، ولا ينبغي لعبيدك أن يتخذوا من دون إذنك ولياً ولا حبيباً فضلاً عن أن يتخذ عبداً آخر إلهاً. وقيل : قالت الأصنام ) : إنا لا يصلح منا أن نكون من العابدين فكيف يمكننا ادعاؤنا من المعبودين.
قوله :« وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ ». لمَّا تضمَّن كلامهم أنَّا لم نضلهم ولم نحملهم على الضلال حسن هذا الاستدراك، وهو أن ذكروا سببه، أي : أنعمت عليهم وتفضلت فجعلوا ذلك ذريعةً إلى ضلالهم عكس القضية. والمعنى متعتهم وآباءهم في الدنيا بطول العمر والصحة والنعمة. ﴿ حتى نَسُواْ الذكر ﴾ تركوا الموعظة والإيمان بالقرآن. وقيل : تركوا ذكرك وغفلوا عنه.
قوله :﴿ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً ﴾ أي : هلكى غلب عليهم الشقاء والخذلان. و « بُوراً » يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أنه جمع بائر كعائذ وعوذ.
والثاني : أنه مصدر في الأصل كالزور، فيستوي فيه المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث، وهو من البوار والهلاك.
وقيل من الفساد، وهي لغة الأزد، يقولون : بَارَتْ بِضَاعَتَهُ أي : فسدت، وأمرنا بائر، أي : فاسد، وهذا معنى قولهم : كسدت البضاعة.
وقال الحسن : هو من قولهم : أرض بورٌ، أي : لا نبات بها. وهذا يرجع إلى معنى الهلاك والفساد.
قوله تعالى :« فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ » هذا خطاب مع المشركين، أي : كَذَّبَكُمُ المعبودون في قولكم إنهم آلهة وإنهم أضلوكم. وقيل : خطاب للمؤمنين في الدنيا، أي : فقد كذبوكم أيها المؤمنون الكفار بما تقولون من التوحيد في الدُّنيا، وهو معنى قوله « بِما تَقُولُونَ ». وهذه الجملة من كلام الله تعالى اتفاقاً، فهي على إضمار القول والالتفات. قال الزمخشري : هذه المفاجأة بالاحتجاج والإلزام حسنةٌ رائعةٌ وخاصة إذا انضمَّ إليها الالتفات وحذف القول، ونحوها قوله :﴿ يَا أَهْلَ الكتاب قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ على فَتْرَةٍ مَّنَ الرسل أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ [ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ] ﴾ [ المائدة : ١٩ ]، وقول القائل :

٣٨٦٨- قالوا خُراسَانُ أَقْصَى مَا يُرَادُ بِنَا ثُمَّ القُفُولُ فَقَدْ جِئْنَا خُرَاسَانَا
انتهى.
يريد أنَّ الأصل في الآية الكريمة فقلنا فقد كذبوكم، وفي البيت : فقلنا قد جئنا. وقرأ أبو حيوة وقنبل في رواية ابن أبي الصلت عنه بالياء من تحت، أي :« فَقَدْ كَذَبَكُم الآلِهَةُ بِمَا يَقُولُونَ ( سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ » إلى آخره وقيل : المعنى : فقد كذبكم أيها المؤمنون الكفار بما يقولون ) من الافتراء عليكم.
قوله :« فَمَا يَسْتَطِيعُونَ ».


الصفحة التالية
Icon