﴿ اجعل لَّنَآ إلها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾ [ الأعراف : ١٣٨ ] لم يثبت لهم بطلب هذا المحال عتوًّا واستكباراً بل قال :﴿ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [ الأعراف : ١٣٨ ].
ومما يدل على ذلك أن موسى - عليه السلام - لما قال :﴿ رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ ﴾ [ الأعراف : ١٤٣ ] ما وصفه الله بالاستكبار والعتوّ، لأنه - عليه السلام - طلب الرؤية شوقاً، وهؤلاء لمَّا طلبوها امتحاناً وتعنتاً لا جرم وصفهم بذلك.
قوله :« يَوْمَ يَرَونَ » فيه أوجه :
أحدها : أنه منصوب بإضمار فعل يدل عليه قوله :« لاَ بُشْرَى » أي : يُمْنَعُونَ البُشْرَى يَوْمَ يَرَونَ.
الثاني : أنه منصوب ب ( اذكر )، فيكون مفعولاً به.
الثالث : أنَّه منصوب ب ( يعذبون مقدراً.
ولا يجوز أن يعمل فيه نفس « البُشْرَى » لوجهين :
أحدهما : أنها مصدر والمصدر لا يعمل فيما قبله.
والثاني : أنَّها منفية ب ( لا )، ( وما بعد ( لا ) ) لا يعمل فيما قبلها.
قوله :« لاَ بُشْرَى » هذه الجملة معمولة لقول مضمر، أي : يَرَون الملائكة يقولون لا بُشْرَى، فالقول حال من « المَلاَئِكَة »، وهو نظير التقدير في قوله :﴿ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ ﴾ [ الرعد : ٢٣ ] إلى قوله :﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُم ﴾ [ الرعد : ٢٤ ].
قال أبو حيان : واحتمل « بُشْرَى » أن يكون مبنيًّا مع « لاَ »، واحتمل أن يكون في نية التنوين منصوب اللفظ، ومنع من الصرف للتأنيث اللازم فإنه كان مبنيًّا مع « لا » احتمل أن يكون « يَوْمَئِذٍ » خبراً و « لِلْمُجْرِمِينَ » خبراً بعد خبر، أو نعتاً ل « بُشْرَى »، أو متعلقاً بما تعلَّق به الخبر، وأن يكون « يَوْمَئِذٍ » صفة ل « بُشْرَى » والخبر « لِلْمُجْرِمِينَ »، ويجيء خلاف سيبويه والأخفش هل الخبر لنفس « لاَ » أو الخبر للمبتدأ الذي هو مجموع « لاَ » وما بني معها.
وإن كان في نية التنوين وهو معرب، ( جاز أن يكون « يَوْمَئِذٍ »، و « لِلْمُجْرِمِينَ » خبرين، و ) جاز أن يكون « يَوْمَئِذٍ » خبراً و « لِلْمُجْرِمِينَ » صفة، والخبر إذا كان الاسم ليس مبنياً لنفس « لاَ » بإجماع. قال شهاب الدين : قوله : واحتمل أن يكون في نية التنوين إلى آخره لا يتأتَّى إلاَّ على قول أبي إسحاق، وهو أنه يرى أنَّ اسم ( لاَ ) النافية للجنس معربٌ، ويعتذر عن حذف التنوين بكثرة الاستعمال ويستدل عليه بالرجوع إليه في الضرورة، وينشد :
٣٨٧٠- أَلاَ رَجُلاً جَزَاهُ اللَّهُ خَيْراً... ويتأوله البصريون على إضمار : ألا ترونني رجلاً، وكان يمكن الشيخ أن يجعله معرباً كما ادّعى بطريق أخرى، وهو : أن يجعل « بُشْرَى » عاملة في « يَوْمَئِذٍ » أو في « لِلْمُجْرِمِينَ »، فيصير من قُبَيْل المطوَّل، والمطوَّل معربٌ، لكنه لم يلم بذلك، وسيأتي شيء من هذا في كلام أبي البقاء رحمه الله.


الصفحة التالية
Icon