وقيل : هم أصحاب الأخدود، والرس هو الأخدود الذي حفروه.
وقال عكرمة : هم قوم رسوا نبيهم في بئر. وقيل : الرس المعدن، وجمعه رساس وروي عن علي - رضي الله عنه - : أنهم قوم كانوا يعبدون شجرة الصَّنَوْبَر وسموا أصحاب الرس؛ لأنهم رسوا نبيهم في الأرض. وروى ابن جرير عن النبي - ﷺ - « أن الله بعث نبياً إلى أهل قرية، فلم يؤمن به من أهل القرية أحد إلا عبد أسود، ثم إنهم حفروا للرسول بئراً وألقوه فيها، ثم طبقوا عليها حجراً ضخماً، وكان ذلك الرجل الأسود يحتطب ويشتري له طعاماً وشراباً، ويرفع الصخرة ويدليه إليه، فكان ذلك ما شاء الله فاحتطب يوماً، فلما أراد أن يحملها وجد نوماً، فاضطجع، وضرب الله على أذنه تسع سنين، ثم هَبّ واحتمل حزمته واشترى طعاماً وشراباً، وذهب إلى الحفرة فلم يجد أحداً، وكان قومه قد استخرجوه فآمنوا به، وصدقوه، وكان ذلك النبي يسألهم عن الأسود، ويقول لهم إنه أول من يدخل الجنة ».
قوله :( « وقُروناً » ) أي : وأهلكنا قروناً كثيرة بين عاد وأصحاب الرس والقرون : جمع قرن، قال عليّ - رضي الله عنه - : القرن أربعون سنة، وهو قول النخعي. وقيل : مائة وعشرون سنة. وقيل غير ذلك. وتقدم الكلام عليه في سورة سبحان عند قوله :﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ القرون مِن بَعْدِ نُوحٍ ﴾ [ الإسراء : ١٧ ].
قوله :« بَيْنَ ذَلك » « ذلك » إشارة إلى من تقدم ذكره، وهم جماعات، فلذلك حسن دخول « بَيْنَ » عليه. وقد يذكر الذاكر بحوثاً ثم يشير إليها بذلك، ويحسب الحاسب أعداداً متكاثرة، ثم يقول : فذلك كيت وكيت، أي ذلك المحسوب أو المعدود.
قوله :« وكُلاً » يجوز نصبه بفعل يفسره ما بعده، أي : وحذرنا أو ذكرنا، لأنها في معنى ضربنا له الأمثال.
ويجوز أن يكون معطوفاً على ما تقدم، و « ضَرَبْنَا » بيان لسبب إهلاكهم. وأما « كُلاًّ » الثانية فمفعول مقدم.
قوله :﴿ ضَرَبْنَا لَهُ الأمثال ﴾ أي : الأشباه في إقامة الحجة عليهم فلم نهلكهم إلا بعد الإنذار. وقيل : بيَّنَّا لهم وأزحنا عللهم فلما كذبوا « تَبَّرْنَاهُمْ تَتْبِيرا » أي : أهلكناهم إهلاكاً. وقال الأخفش : كسرنا تكسيرا.
قال الزجاج : كل شيء كسرته وفتَّتَّه فقد تَبَّرته.


الصفحة التالية
Icon