و « رسولاً » على بابه من كونه صفة فينتصب على الحال، وقيل : هو مصدر بمعنى رسالة، فيكون على حذف مضاف، أي ذا رسول بمعنى رسالة، أو يجعل نفس المصدر مبالغة، أو بمعنى : مرسل. وهو تكلف.
قوله :﴿ إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا ﴾ تقدم نظيره في سبحان.
قوله :﴿ لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا ﴾ جوابها محذوف، أي : لضللنا عن آلهتنا. قال الزمخشري : و « لولا » في مثل هذا الكلام جار من حيث المعنى لا من حيث الصيغة مجرى التقيد للحكم ( المطلق ).

فصل


قال المفسرون : إن أبا جهل كان إذا مر بأصحابه على رسول الله - ﷺ - قال مستهزءاً :« أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً » « إنْ كَادَ » قد كاد « لَيُضِلُّنَا » أي : قد قارب أن يضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها أي :( أي لو لم نصبر عليها ) انصرافا عنها، ﴿ وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ العذاب مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ من أخطأ طريقاً. ( واعلم أن الله تعالى أخبر عن المشركين أنهم متى رأوا الرسول - ﷺ - أتوا بنوعين من الأفعال. أحدهما : الاستهزاء، فيقولون :﴿ أهذا الذي بَعَثَ الله رَسُولاً ﴾ وذلك جهل عظيم، لأن الاستهزاء إما أن يكون بصورته أو بصفته والأول باطل، لأنه - ﷺ - كان أحسن منها صورة وخلقة )، وبتقدير أنه لم يكن كذلك، لكنه - ﷺ - ما كان يدعي التميز عنهم بالصورة بل بالحجة. والثاني باطل، لأنه - ﷺ - ادَّعى التميز عليهم بظهور المعجز عليه دونهم، وأنهم ما قدروا على القدح في حجته، ففي الحقيقة هم الذين يستحقون أن يهزأ بهم، ثم إنهم لوقاحتهم قلبوا القضية، واستهزءوا بالرسول، وذلك يدل على ( أنه ليس للمبطل في كل الأوقات ) إلا السفاهة والوقاحة.
والنوع الثاني : قولهم :﴿ إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا ﴾ فَسَمُّوا ذلك ضلالاً، وذلك يدل على أنهم كانوا مبالغين في تعظيم آلهتهم، ويدل على جده واجتهاده في صرفهم عن عبادة الأوثان فلهذا قالوا :﴿ إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا ﴾، وذلك يدل على أنهم كانوا مقهورين بالحجة، ولم يكن في أيديهم إلا مجرد ( الوقاحة ).
قوله :« من أضل » جملة استفهامية معلقة ب « يَعْلَمُون » فهي سادَّةٌ مسدّ مفعوليها إن كان على بابها، ومسدّ واحد إن كانت بمعنى ( عرف ). ويجوز في « من » أن تكون موصولة، و « أَضَلَّ » خبر مبتدأ مضمر هو العائد على « من » تقديره : من هو أضل، وإنما حذف للاستطالة بالتمييز، كقولهم : ما أنا بالذي قائل لك سوءاً. وهذا ظاهر إن كانت متعدية لواحد، وإن كانت متعدية لاثنين فيحتاج إلى تقدير ثان ولا حاجة إليه.

فصل


لما وصفوه بالإضلال في قولهم :﴿ إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا ﴾ بين تعالى أنه سيظهر لهم من المضل ومن الضال عند مشاهدة العذاب الذي لا مخلص لهم منه، فقال :﴿ وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ العذاب مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾، وهذا وعيد شديد على التعامي والإعراض عن الاستدلال والنظر.


الصفحة التالية
Icon