قوله :« وَنُسْقِيَهُ » العامة على ضمّ النون، وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية عنهما وأبو حيوة وابن أبي عبلة بفتحها، وقد تقدم أنه قرئ بذلك في النحل والمؤمنون وتقدم الكلام ( على ذلك ).
قوله :« مِمَّا خَلَقْنَا » يجوز أن يتعلق « مِنْ » ب « نُسْقِيَهُ »، وهي لابتداء الغاية، ويجوز أن تتعلق بمحذوف على أنها حال من « أَنْعَاماً »، ونكرت الأنعام والأناسي، ( قال الزمخشري ) : لأن علية الناس وجلهم مجتمعون بالأودية والأنهار، فيهم غنية عن سقي الماء وأعقابهم وهم كثير منهم لا يعيشهم إلا ما ينزل الله من رحمته وسقيا ( سمائه ).
قوله :« وَأَنَاسِيَّ » فيه وجهان :
أحدهما : وهو مذهب سيبويه أنه جمع إنسان، والأصل إنسان، وأناسين، فأبدلت النون ياء، وأدغمت فيها الياء قبلها نحو ظربان وظرابي.
والثاني : وهو قول الفراء والمبرد والزجاج أنه جمع إنسي. وفيه نظر، لأن فعالي إنما يكون جمعاً لما فيه ياء مشددة لا تدل على نسب نحو كرسي وكراسي، فلو أريد ب ( كرسي ) النسب لم يجز جمعه على كراسي، ويبعد أن يقال : إن الياء في إنْسِيّ ليست للنسب، وكان حقه أن يجمع على ( أناسية ) نحو مهالبة في المهلبي، وأزارقة في الأزرقي. وقرأ يحيى بن الحارث الذماري والكسائي في رواية « وأناسِيَ » بتخفيف الياء. قال الزمخشري : بحذف ياء أفاعيل، كقولك ( أناعم في أناعيم ). قال الزمخشري : فإن قلت : لم قدم إحياء الأرض وسقي الأنعام على سقي الأناسي. قلت : لأن حياة الأناسي بحياة أرضهم وحياة أنعامهم، فقدم ما هو سبب حياتهم، ولأنهم إذا ظفروا بسقيا أرضهم، وسقي أنعامهم لم يعدموا سقياهم فإن قيل : لم خص الإنسان والأنعام هاهنا بالذكر دون الطير والوحش مع انتفاع الكل بالماء؟ فالجواب : لأن الطير والوحش تبعد في طلب الماء فلا يعوزها الشرب بخلاف الأنعام، لأن حوائج الأناسي ومنافعهم متعلقة بها فكان الإنعام عليهم ( بسقي أنعامهم كالإنعام عليهم ) بسقيهم. وقال :« أَنَاسِيَّ كَثيراً » ولم يقل : كثيرين، لأنه قد جاء فعيل مفرداً ويراد به الكثرة كقوله :﴿ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً ﴾ [ الفرقان : ٣٨ ] ﴿ وَحَسُنَ أولئك رَفِيقاً ﴾ [ النساء : ٦٩ ].