قوله تعالى :﴿ وَهُوَ الذي مَرَجَ البحرين ﴾ الآية. هذا النوع الرابع. في « مَرَجَ » قولان :
أحدهما : بمعنى خلط ومرج، ومنه مرج الأمر أي : اختلط قاله ابن عرفة.
وقيل :« مرج » أجرى، وأمرج لغة فيه.
( و ) قيل : مرج لغة الحجاز، وأمْرَجَ لغة نجد، وفي كلام بعض الفصحاء : بحران أحدهما بالآخر مَمْرُوج، وماء العذب منهما بالأجاج ممزوج. وقيل : أرسلهما في مجاريهما وخلاَّهما كما ترسل الخيل في المرج قاله ابن عباس.
وأصل المرج الخلط والإرسال يقال : مرجت الدابة وأمرجتها إذا أرسلتها في المرعى وخليتها تذهب حيث تشاء.
قوله ﴿ هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ ﴾ هذه الجملة لا محل لها، لأنها مستأنفة جواب لسؤال مقدر كأن قائلاً قال : كيف مرجهما؟ قيل : هذا عذب وهذا ملح.
ويجوز على ضعف أن تكون حالية. والفرات : المبالغ في الحلاوة، والتاء فيه أصلية لام الكلمة، ووزنه فعال. وبعض العرب يقف عليها هاء، وهذا كما تقدم في التابوت. ويقال : سمي الماء الحلو فراتاً، لأنه يفرت العطش أي : يشقه ويقطعه والأُجاج : المبالغ في الملوحة، وقيل : في الحرارة، وقيل في المرارة. وهذا من أحسن المقابلة، حيث قال تعالى :﴿ عَذْبٌ فُرَاتٌ وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ ﴾ وأنشد بعضهم :
٣٨٧٧- فَلاَ واللَّهِ لاَ أَنْفَكُّ أَبكي | ( إلى أَنْ نَلْتَقِي شُعْثاً عُراتَا ) |
أَأُلْحَى إنْ نَزَحْتُ أُجَاجَ عَيْنِي | عَلَى جَدَثٍ حَوَى العَذْبَ الفُرَاتَا |
٣٨٧٨- وَصِلْيانا بَرِدا... وماء مالح لغة شاذة. وقال أبو حاتم : هذه قراءة منكرة.
قوله :« بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً » يجوز أن يكون الظرف متعلقاً بالجعل، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من « بَرْزَخاً ».
والأول أظهر. ومعنى « بَرْزَخاً » أي : حاجزاً بقدرته لئلا يختلط أحدهما بالآخر.
قوله :« وَحِجْراً مَحْجُوراً » الظاهر عطفه على « برزخاً ».
وقال الزمخشري :( فإن قلت :« حِجْراً مَحْجُوراً » ) ما معناه؟ قلت هي الكلمة التي يقولها المتعوّذ، وقد فسرناها، وهي هنا واقعة على سبيل المجاز، كأن واحداً من البحرين يقول لصاحبه : حجراً محجوراً كأنه يتعوذ من صاحبه ويقول له : حجراً محجوراً. كما قال :« لا يبغيان ». وهي من أحسن الاستعارات.
فعلى ما قاله يكون منصوباً بقول مضمر.