قوله تعالى :﴿ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ ﴾ وعظ وتذكر ﴿ مِّنَ الرحمن مُحْدَثٍ ﴾ أي : محدث إنزاله فهو محدث في التنزيل. قال الكلبي :« كلما نزل من القرآن بعد شيء فهو أحدث من الأول ».
وقوله :« إلاَّ كَانُوا » جملة حالية، وتقدم تحقيق هذا وما قبله في أول الأنبياء. ومعنى « مُعْرِضِينَ » أي : عن الإيمان به.
قوله :« فَقَدْ كَذَّبُوا » أي : بلغوا النهاية في ردّ آيات الله، « فَسَيَأْتِيهِمْ » أي : فسوف يأيتهم « أَنْبَاءُ » : أخبار وعواقب ﴿ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ وذلك إما عند نزول العذاب عليهم في الدنيا، أو عند المعاينة في الآخرة كقوله تعالى :﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ ﴾ [ ص : ٨٨ ]. قوله ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الأرض كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ ﴾ أي : صنف، والكريم صفة لكل ما يرضى ويحمد في بابه، يقال :« وجه كريم » إذا كان مرضياً في حسنه وجماله. و « كتاب كريم » : إذا كان مرضياً في فوائده ومعانيه. و « النبات الكريم » : هو المرضيّ في منافعه مما يأكل الناس والأنعام يقال : نخلة كريمة :[ إذا طاب حملها، وناقة كريمة ] : إذا كثر لبنها. قال الشعبي : الناس مثل نبات الأرض، فمن دخل الجنة فهو كريم، ومن دخل النار فهو لئيم.
قوله :« كَمْ أَنْبَتْنَا ». « كَمْ » للتكثير، فهي خبرية، وهي منصوبة بما بعدها على المفعول به، أي : كثيراً من الأزواج أنبتنا، و ﴿ مِن كُلِّ زَوْجٍ ﴾ تمييز.
وجوَّز أبو البقاء أن تكون حالاً. ولا معنى له. قال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى الجمع بين « كَمْ » و « كُلِّ » ولو قيل : أنبتنا فيه من زوج كريم. قلت : قد دل « كُلّ » على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل، و « كَمْ » على أن هذا المحيط مُتَكَاثِرٌ مُفْرِطٌ في الكثرة.
قوله :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ الذي ذكرت « لآيَةً » دلالة على لوجودي وتوحيدي وكمال قدرتي وقوله :« لِلْمؤْمِنِينَ » كقوله :﴿ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ [ البقرة : ٢ ] لأنهم المنتفعون بذلك ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ ﴾ : مصدقين، أي : سبق علمي فيهم أن أكثرهم لا يؤمنون.
وقال سيبويه :( كان ) هنا صلة، مجازه : وما أكثرهم مؤمنين. ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم ﴾ وإنما قدم ذكر « العزيز » على ذكر « الرَّحِيم » لأنه لو لم يقدِّمه لكان ربما قيل : إنه رحيم لعجزه عن عقوبتهم، فأزال هذا الوهم بذكر « العزيز » وهو لاغالب القاهر ومع ذلك فإنه رحيم بعباده، فإن الرحمة إذا كانت عن القدرة الكاملة كانت أعظم وقعاً. فإن قيل : حين ذكر الأزواج دلَّ عليها بكلمتي الكثرة والإحاطة، وكان لا يحصيها إلا عالم الغيب، فكيف قال :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً ﴾ ؟ وهلا قال : لآيات؟. فالجواب من وجهين :
أحدهما : أن يكون ذلك مشاراً به إلى مصدر « أنبتنا » فكأنه قال : إن في ذلك الإنبات لآية.
والثاني : أن يراد : إن في كل واحد من تلك الأزواج لآية.