٣٨٩٨ - أَفْرَحُ انْ أُرْزَأَ الكِرَامَ... وقد تقدم هذا مشبعاً في النساء عند قوله :﴿ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ﴾ [ النساء : ٧٩ ] وفي غيره.
قوله :« أَنْ عَبَّدْتَ » فيه أوجه :
أحدها : أنه في محل رفع عطف بيان ل « تِلْكَ » كقوله :﴿ وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ ﴾ [ الحجر : ٦٦ ].
الثاني : أنها في محل نصب مفعولاً من أجله.
الثالث : أنها بدل من « نِعْمَة ».
الرابع : أنها بدل من هاء « تَمُنُّهَا ».
الخامس : أنها مجرورة بباء مقدرة، أي : بأَنْ عَبَّدْتَ.
السادس : أنها خبر مبتدأ مضمر، أي : هي أن عَبَّدْتَ.
السابع : أنها منصوبة بإضمار « أعني » والجملة من « تَمُنُّهَا » صفة ل « نِعْمَة » و « تَمُنُّ » يتعدى بالباء، فقيل : هي محذوفة، أي : تَمُنُّ بها.
وقيل : ضُمِّنَ « تَمُنُّ » معنى « تَذْكُرُ ». ويقال : عبّدت الرجل وأعبدته وتعبدته واستعبدته :[ إذا اتخذته عبداً ].

فصل


اختلفوا في تأويل « أَنْ عَبَّدْتَ » : فحملها بعضهم على الإقرار، وبعضهم على الإنكار. وعلى كلا القولين فهو جواب لقوله :﴿ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا ﴾ [ الشعراء : ١٨ ].
فمن قال : هو إقرار، قال : عدها موسى نعمة منه عليه حيث رباه ولم يقتله كما قتل سائر غلمان بني إسرائيل، ولم يستعبده كما استعبد بني إسرائيل، أي : بلى و ﴿ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ وتركتني فلم تستعبدني. ومن قال : هو إنكار قال : قوله :« وَتِلْكَ نِعْمَةٌ » هو على طريق الاستفهام، كما تقدم في إعرابها، يعني : أَوَ تِلْكَ نعمة، فحذفت ألف الاستفهام، كقوله :﴿ فَهُمُ الخالدون ﴾ [ الأنبياء : ٣٤ ] وقال الشاعر :
٣٨٩٩ - تَرُوحُ مِنَ الحَيِّ أَمْ تَبْتَكِرْ وَمَاذَا يَضِيرُكَ لَوْ تَنْتَظِرْ
أي : أتروح من الحي، وقال عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة :
٣٩٠٠ - لَمْ أَنْسَ يَوْمَ الرَّحِيلِ وَقْفَتِهَا وَطَرْفُهَا فِي دُمُوعِهَا غَرِقُ
وَقَوْلَهَا والرِّكابُ واقِفَةٌ تَتْرُكُنِي هكَذَا وَتَنْطَلِقُ
أي : أتتركني. يقول : تمنّ عليَّ أن ربيتني وتنسى جنايتك على بني إسرائيل بالاستعباد والمعاملة القبيحة. أو يريد : كيف تَمُنُّ عليَّ بالتربية، وقد استعبدت قومي؟ ومن أُهين قومه ذلّ، فتعبّدك بني إسرائيل قد أحبط إحسانك إليّ.
وقال الحسن : إنك استعبدت بني إسرائيل، فأخذت أموالهم وأنفقت منها عليَّ فلا نعمة لك بالتربية. وقيل : إن الذي تولى تربيتي هم الذين استعبدتهم فلا نعمة لك عليَّ، لأن التربية كانت من قبل أمي ومن قومي، ليس لك إلا مجرد الاسم، وهذا ما يعدّ إنعاماً. وقيل : معناه : تَمُنَّ عليَّ بالتربية وأنت لولا استعبادك بني إسرائيل وقتلك أولادهم لما دُفِعْتُ إليك حتى ربيتني وكفلتني، فإنه كان لي من أهلي من يربِّيني ويكفلني، ولم يلقوني في اليمِّ، فأيّ نعمة لك عليَّ. وقيل : معناه أنك تدَّعي أن بين إسرائيل عبيدك، ولا مِنَّة للمولى على العبد في تربيته.


الصفحة التالية
Icon