ومن ضرورة إمالتها إمالة فتحة الهمزة المسهلة، لأنه إذا وقف على مثل هذه سهلها على مقتضى مذهب، وأمال الألف الأولى إتباعاً لإمالة فتحة الهمزة. ومن شرورة إمالتها إمالة فتحة الراء قبلها، وهذا هو الإمالة لإمالة. وغيره من القراء لا يميل شيئاً من ذلك. وقياس مذهب الكسائي أن يميل الألف الأخيرة، وفتحة الهمزة قبلها، وكذا نقله ابن الباذش عنه وعن حمزة.
وإن وصل فإن الألف الأخيرة تذهب لالتقاء الساكنين، ولذهابها تذهب إمالة فتحة الهمزة، وتبقى إمالة الألف الزائدة، وإمالة فتحة الراء قبلها عنده اعتداداً بالألف المحذوفة، وعند ذلك يقال : حذف السبب وبقي المسبب؛ لأن إمالة الألف الأولى إنما كان لإمالة الألف الأخيرة [ كما تقدم تقريره، وقد ذهبت الأخيرة ] فكان ينبغي ألا تمال الأولى لذهاب المقتضي لذلك، ولكنه راعى المحذوف وجعله في قوة المنطوق؛ ولذا تجرأ عليه أبو حاتم فقالك وقراءة هذا الحرف بالإمالة محال. وقد تقدم في الأنعام عند « رَأَى القَمَرَ » و « رَأَى الشَّمْسَ » ما يشبه هذا العمل.
قوله :« لَمَدْرَكُونَ ». العامة على سكون الدال، اسم مفعول من « أَدْركَ » أي : لملحقون. وقرأ الأعرج وبيد بن عمرو بفتح الدال مشددة وكسر الراء.
قال الزمخشري : المعنى : متتابعون في الهلاك على أيديهم، ومنه بيت الحماسة :
٣٩٠٩ - أَبَعْدَ بَنِي أُمِّي الَّذِينَ تَتَابَعُوا | أُرَجِّي الحَيَاةَ أَمْ مِنَ المَوْتِ أَجْزَعُ |
فصل
المعنى ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الجمعان ﴾، أي : رأى كل فريق صاحبه.
وقرىء ﴿ فَلَمَّا تَرَاءْتِ الفِئَتَانِ ﴾ قال أصحاب موسى :« إنَّا [ لَمُدْرَكُونَ » أي ] لَمُلْحَقُون، وقالوا : يا موسى ﴿ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا ﴾ [ الأعراف : ١٢٩ ] كانوا يذبحون أبناءنا، ﴿ وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ﴾ [ الأعراف : ١٢٩ ] يدركوننا في هذه الساعة فيقتلوننا، ولا طاقة لنا بهم، فعند ذلك قال موسى ثقة بوعد الله إياه « كَلاَ » وذلك كالمنع مما توهموه، أي : لن يدركونا ﴿ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ يدلني على طريق النجاة.