﴿ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً ﴾ [ مريم : ٨٢ ]. ( وقيل : الأصنام لا تُعادى لأنها جماد، والتقدير : فإن عبادهم عدو لي ). وقيل : بل في الكلام قلب تقديره : فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لهم وهذان مرجوحان لاستقامة الكلام بدونهما، فإن قيل : لم قال :﴿ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي ﴾ ولم يقل فإنها عدو لكم؟ فالجواب : أنه - عليه السلام - صور المسألة في نفسه، بمعنى أني فكرت في أمري فرأيت عبادتي لها عبادة للعدو فاجتنبتها، وأراهم أنها نصيحة نصح بها نفسه، فإذا تفكروا وقالوا : ما نصحنا إبراهيم إلا بما نصح به نفسه فيكون أدعى إلى القبول.
قوله :﴿ إِلاَّ رَبَّ العالمين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه منقطع، أي : لكن رب العالمين ليس بعدوٍّ لي. وقال الجرجاني : فيه تقديم وتأخير، أي : أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون إلا ربّ العالمين فإنهم عدو لي، و « إلاَّ » بمعنى « دُونَ، وسِوَى ».
والثاني : أنه متصل، وهو قول الزجاج، لأنهم كانوا يعبدون الله والأصنام، فقال إبراهيم : كل من تبعدون أعداء لي إلا رب العالمين.
وقال الحسن بن الفضل : معناه : إلا من عبد رب العالمين. وقيل : معناه : فإنهم غير معبود لي إلا رب العالمين. ثم وصف معبوده، وهو قوله :« الذَّي خَلَقَنِي » يجوز فيه أوجه : النصب على النعت ل « رَبّ العَالَمِينَ »، أو البدل، أو عطف البيان، أو على إضمار « أعني ». والرفع على خبر مبتدأ مضمر، أي : هو الذي خلقني، أو على الابتداء. و « فَهُوَ يَهْدِين » جملة اسمية في محل رفع خبراً له.
قال الحوفي : ودخلت الفاء لما تضمنه المبتدأ من معنى الشرط. وهذا مردود. لأن الموصول معيَّنٌ ليس عاماً، وأن الصلة لا يمكن فيها التجدد، فلم يشبه الشرط وتابع أبو البقاء الحوفيَّ، ولكنه لم يتعرض للفاء، فإن عنى ما عناه الحوفي فقد تقدم ما فيه، وإن لم يفعله فيكون تابعاً للأخفش في تجويزه زياة الفاء في الخبر مطلقا نحو :« زيدٌ فاضربه » وقد تقدم تجويزه.