قوله تعالى :﴿ وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ ﴾ أي : أن الجنة تكون قريبة من موقف السعداء ينظرون إليها ويفرحون بأنهم المحشورون إليها. ﴿ وَبُرِّزَتِ الجحيم لِلْغَاوِينَ ﴾ أي : أُظْهِرَت.
وقرأ مالك بن دينار :« وبَرَزت » بفتح الباء والراء خفيفة مبنياً للفعل مسنداً ل « الجحيم »، فلذلك رفع، والمراد ب « الغاوين » الكافرون.
﴿ وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله هَلْ يَنصُرُونَكُمْ ﴾ : يمنعونكم من العذاب بنصرتهم، أو ينفعون أنفسهم بانتصارهم.
قوله :« فَكُبْكِبُوا » أي : أُلْقوا وَقُلِبَ بعضهم على بعض. قال الزمخشري : الكَبْكَبَة. تَكرِير الكبِّ، جعل التكرير في اللفظ دليلاً على التكرير في المعنى.
وقال ابن عطية نحواً منه، قال : وهو الصحيح، لأن تكرير الفعل بَيِّنٌ نحو : صَرَّ وَصَرْصَرَ، وهذا هو مذهب الزجاج.
وفي مثل هذا البناء ثلاثة مذاهب :
أحدها : هذا.
والثاني : وهو مذهب البصريين أن الحروف كلها أصول.
والثالث : وهو قول الكوفيين : أن الثالث مبدل من مثل الثاني : فأصل « كَبْكَبَ » : كَبَّبَ، بثلاث باءات، ومثله « لَمْلَمَ، وَكَفْكَفَ »، هذا إذا صح المعنى بسقوط الثالث، فأما إذا لم يصح المعنى بسقوطه كانت كلها أصولاً من غير خلاف نحو :« سِمْسِم، وخِمْخِم ». وواو « كُبْكِبُوا » قيل : للأَصنام، إجراء لها مجرى العقلاء. وقيل :( لعابديها ).
فصل
قال ابن عباس : جمعوا. وقال مجاهد : دُهْوِرُوا. وقال مقاتل : قذفوا وقال الزجاج : طُرِحَ بعضُهم على ( بعض ). وقال القتيبي : أُلْقُوا على رؤوسهم « هُمْ والغَاوُوْن » يعني : الشياطين، قاله قتادة ومقاتل. وقال الكلبي : كَفَرَةُ الجن. ﴿ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ﴾ أتباعه من الجن والغنس. وقيل : ذريته.
قوله :﴿ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ ﴾ جملة حالية معترضة بين القول ومعموله ومعمول الجملة القسمية.
قوله :﴿ إِن كُنَّا لَفِي ﴾. مذهب البصريين : أن « إن » مخففة، واللام فارقة. ومذهب الكوفيين : أن « إن » نافية، واللاام بمعنى « إلا ».
فصل
المعنى : قال الغاوون للشياطين والمعبودين ﴿ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ ﴾ مع المعبودين، ويجادل بعضهم بعضا :﴿ تالله إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ يذكرون ذلك حين يروا صورها على وجه الاعتراف ( بالخطأ العظيم وعلى ) وجه الندامة لا على وجه المخاطبة، لأنها جماد لا تخاطب، وأيضاً فلا ذَنْبَ لها بأن عَبَدها غيرها. ومما يدل على أن ذلك ليس