قال ابن عباس :« إِن عَصَيْتُمُوني » عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم.
قوله :« أَمَدَّكُم بأَنْعَام » فيه وجهان :
أحدهما : أن الجملة الثانية بيان للأولى وتفسير لها.
والثاني : أن « بأنعام » بدل من قوله :« بِمَا تَعْلَمُون » بإعادة العامل، كقوله :﴿ اتبعوا المرسلين اتبعوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ ( أَجْراً ) ﴾ [ يس : ٢٠ - ٢١ ].
قال أبو حيان : والأكثرون لا يجعلون هذا بدلاً وإنما يجعلونه تكريراً، وإنما يجعلون بدلاً بإعادة العامل إذا كان حرف جر من غير إعادة متعلقه نحو :« مَرَرْتُ بزيد بأخيك » ولا يقولون :« مررت بزيد مررت بأخيط » على البدل.
قوله :﴿ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ الواعظين ﴾ معادلة لقوله :« أَوَعَظْتَ ». وإنما أتى بالمعادل كذا دون قوله :« أم لم تعظ » لتواخي الفواصل. وأبدى له الزمخشري معنى فقال : وبينهما فرق، لأن المعنى : سواء علينا أفلعت هذا الفعل الذي هو الوعظ أم لم تكن أصلاً من أهله ومباشريه، فهو أبلغ في قلة اعتدادهم بوعظه من قولك :« أم لم تعظ ».
وقرأ العامة :« أَوَعَظْتَ » بإظهار الظاء قبل التاء. وروي عن أبي عمرو والكسائي وعاصم، وبها قرأ الأعمش وابن محيصن بالإدغام. وهي ضعيفة، لأن الظاء أقوى، ولا يدغم الأقوى في الأضعف، على أنه قد جاء من هذا في القرآن العزيز أشياء متواترة يجب قبولها نحو :« زُحْزِحَ عَنْ » و « لَئِنْ بَسَطْتَ ».

فصل


لما وعظهم ورغبهم وخوفهم أجابهوه بقولهم :« سَوَاءٌ عَلَيْنَا » أي : مستو عدنا أوعظت أم لم تكن من الواعظين أظهروا قلة أكتراثهم بكلامه، ثم قالوا :﴿ إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الأولين ﴾. قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بفتح الخاء وسكون اللام، أي : اختلاق الأولين وكذبهم، كقوله :« وَتَخْلُقُونَ إفْكاً » والباقون بضمتين. فقيل : معناهما : الاختلاق، وهو الكذب. وكذا قرأ ابن مسعود. وقيل : عادة الأولين من قبلنا حياة وموت هو خلق الأولين وعادتهم. وروى الأصمعي عن نافع، وبها قرأ أبو قلابة ضم الخاء وسكون اللام، وهي تخفيف المضمومة. ثم قالوا :﴿ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾ أظهروا بذلك تقوية نفسوهم فيما تمسكوا به من إنكار المعاد، فعند هذا بين الله تعالى أنه أهلكهم، وقد سبق بيان كيفية الهلاك.


الصفحة التالية
Icon