قوله تعالى :﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ المرسلين ﴾ الآيات.
قوله :« مِنَ العالِمينَ ». يحتمل عوده إلى الآتي، أي : أنتم من جملة العالمين مخصوصون بهذه الصفة، وهي إتيان الذكران. [ ويحتمل عوده إلى المأتى، أي : أنتم اخترتم الذكران ] من العالمين لا الإناث منهم.
قوله :« مِنْ أَزْوَاجِكُمْ ». يصلح أن يكون تبييناً، وأن يكون للتبعيض، ويُراد بِمَا خلق العضو المباح منهن، وكانوا يفعلون مثل ذلك بنسائهم. ﴿ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴾. معتدون مجاوزون الحلال إلى الحرام، والعادي : المعتدي في ظلمه.
والمعنى : أتركبون هذه المعصية على عظمها ﴿ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴾ في جميع المعاصي ﴿ قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يالوط لَتَكُونَنَّ مِنَ المخرجين ﴾ أي : من جملة من أخرجناه من بلدنا، ولعلهم كانوا يخرجون من أخرجوه على أسوأ الأحوال.
قوله :« لِعَمَلِكُمْ » كقوله :﴿ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين ﴾ [ الأعراف : ٢١ ] وقد تقدم. وقيل :« مِنَ القَالِينَ » صفة لخبر محذوف، هذا الجار متعلق به، أي : إني قال :﴿ لِعَمَلِكُمْ مِّنَ القالين ﴾ المبغضين. والقِلَى : البغض الشديد، كأنه بُغْضٌ يقلي الفؤاد والكبد. وقوله « مِنَ القَالِينَ » أبلغ من أن يقول : إني لعملكم قالٍ، كما تقول : فلان من العلماء، أبلغ من قولك : فلان عالم.
ويجوز أن يراد : من الكاملين في قِلاكم. [ والقَالِي : المُبْغِضُ، يقال : قَلاَهُ يَقْلِيهِ قِلًى، وَيَقْلاَهُ، وهي شاذة، قال :
٣٩٢٠ - وَتَرْمِينَنِي بالطَّرْفِ أَيْ أَنْتَ مُذْنِبٌ | وَتقْلِينَنِي لكِنَّ إيَّاكِ لاَ أقْلِي |
٣٩٢١ - والله مَا فَارَقْتكُمْ عَنْ قِلَى لكم | وَلكنَّ مَا يُقْضَى فَسَوْفَ يَكُونُ |
٣٩٢٢ - وَلَسْتُ بِمَقْليِّ الخِلاَلِ ولاَ قَالِي... وغلط بعضهم فجعل ذلك من قولهم : قَلَى اللَّحْمَ، أي شَوَاهُ، فكأنه قلى كبده بالبغض ووجه الغلط أن هذا من ذوات الياءن وذلك من ذوات الواو.
يقال : قَلَى اللحمِ يَقْلُوه قَلْواً، فهو قال كَغَازٍ، و « مَقْلُوّ » كما تقدم ]، ثم دعا فقال :﴿ رَبِّ نَّجِنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ من العمل الخبيث.
قال الله تعالى :« فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ » من عقوبة عملهم ﴿ إِلاَّ عَجُوزاً فِي الغابرين ﴾ وهي امرأة لوط، بقيت في الهلاك والعذاب، فإنْ قيل :« فِي الغَابِرينَ » صفة لها، كأنه قيل : إلاَّ عَجُوزاً [ غابرة، وإن لم يكن الغبور صفتها وقت تنجيتهم؟ فالجواب : معناه : إلاَّ عجوزاً ] مقدراً غبورها. قيل : إنما هلكت مع من خرج من القرية بما أمطر من الحجارة. ﴿ ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخرين ﴾ أي : أهلكناهم ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ المنذرين ﴾ والمخصوص بالذم محذوف، أي :( مَطَرُهُمْ ) قال وهب بن منبه : الكبريت والنار. ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم ﴾.
فصل
قال القاضي عبد الجبار في تفسير قوله :﴿ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ ﴾ دليل على بطلان الجبر من وجوه :
الأول : أنه لا يقال :« تَذَرُونَ » إلاَّ مع القدرة على خلافه، ولذلك لا يقال للمرء : لم تذر الصعود إلى السماء، كما يقال : لم تذر ( الدخول و ) الخروج.