، ثم قام، فنزلت ﴿ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ ﴾ [ المسد : ١ ].
قوله :﴿ واخفض جَنَاحَكَ ﴾ : ألن جانبّك ﴿ لِمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين ﴾. واعلم أن الطائر إذا أراد أن ينحط كسر جناحه وخفضه، وإذا أراد أن ينهض للطيران رفع جناحه، فجعل خفض الجناح كناية عن التواضع ولين الجانب.
قوله :« فِإِنْ عَصَوْكَ » : في هذه الواو وجهان :
أحدهما : أنها ضمير الكفار، أي : فإن عصاك الكفار في أمرك لهم بالتوحيد.
والثاني : أنها ضمير المؤمنين، أي : فإن عصاك المؤمنون في فروع الإسلام وبعض الأحكام بعد تصديقك والإيمان برسالتك، وهذا في غاية البعد ﴿ إِنِّي برياء مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ ( من الكفر وعبادة غير الله ).

فصل


قال الجُبَّائيّ : هذا يدل على أنه - عليه السلام - كان بريئاً من معاصيهم، وذلك يوجب أن الله تعالى أيضاً بريء من عملهم كالرسول، وإلا كان مخالفة لله، كما لو رضي عن شخص فإن الله راضٍ عنه، وإذا كان تعالى بريئاً من عملهم فلا يكون فاعلاً له. والجواب : أنه تعالى بريء من المعاصي، بمعنى أنه ما أمر بها بل نهى عنها، فأما بمعنى أنه لا يريدها فلا نسلم، بدليل انه علم وقوعها، وكل ما كان معلوم الوقوع فهو واجب الوقوع، وإلاَّ لانقلب علمه جهلاً، وهو محال، والمفضي إلى المحال محال، وعلم ما هو واجب الوقوع لا يراد عدم وقوعه، فثبت قولنا.
قوله :« وَتَوَكَّلْ ». قرأ نافع وابن عامر بالفاء. والباقون بالواو.
فأما قراءة الفاء فإنه جُعِل فيها ما بعد الفاء كالجزاء لما قبلها مترتباً عليه. وقراءة الواو لمجرد عطف جملة على أخرى. والتوكل : عبارة عن تفويض الرجل أمره إلى من يكل أمره ويقدر على نفعه وضره. ثم قال :﴿ عَلَى العزيز الرحيم ﴾ ليكفيك كيد الأعداء بعزته وينصرك عليهم برحمته.
قوله :« الَّذِي يَرَاَكَ » يجوز أن يكون مرفوع المحل خبراً لمبتدأ محذوف، أو منصوبه على المدح، أو مجرورة على النعت أو البدل أو البيان.
قال أكثر المفسرين : معناه : يراك حين تقوم إلى صلاتك. وقال مجاهد : يراك أينما كنت. وقيل : حين تقوم لدعائهم.
قوله :« وَتَقَلُّبَكَ ». عطف على مفعول « يَرَاكَ » أي : ويرى تَقَلُّبَكَ، وهذه قراءة العامة. وقرأ جماح بن حبيش بالياء من تحت مضمومة، وكسر اللام، ورفع الباء، جعله فعلاً، مضارع ( قَلَّبَ ) بالتشديد، وعطفه على المضارع قبله، وهو « يَرَاكَ » أي : الذي يُقَلِّبُكَ.

فصل


معنى تقلبه أي : تقلبك في صلاتك في حال قيامك وركوعك وسجودك وقعودك، قال عكرمة وعطية عن ابن عباس :« فِي السَّاجِدِينَ » أي : في المصلين.


الصفحة التالية
Icon