قوله :﴿ وَأَلْقِ ﴾ عطف على ما قبله من الجملة الاسمية الخبرية، وقد تقدم أن سيبويه لا يشترط تناسب الجمل، وأنه يجيز : جاء زيدٌ ومن أبوك، وتقدمت أدلته أول البقرة.
وقال الزمخشري : فإن قلت : علام عطف قوله :« وَأَلْقِ عَصَاكَ » ؟ قلت : على قوله :« بُورِكَ » لأن معنى : نودي أن بورك، وقيل له : ألق عصاك، والدليل على ذلك قوله :﴿ وأن ألق عصاك ﴾، بعد قوله : أن يا موسى إني أنا الله على تكرير حرف التفسير، كما يقول : كتبت إليه أن حجَّ واعتمر، وإن شئت، أن حجَّ وأن اعتمر. قال أبو حيان : وقوله إنه معطوف على « بُورِكَ » مُنَافٍ لتقديره، وقيل له : ألق عصاك، لأن هذه جملة معطوفة على « بُورِكَ » وليس جزؤها الذي هو معمول، وقيل : معطوفاً على « بُرِكَ »، وإنما احتاج إلى تقدير : وقيل له : ألق، ليكون جملة خبرية مناسبة للجملة الخبرية التي عطفت عليها، كأنه يرى في العطف تناسب الجمل المتعاطفة. والصحيح أنه لا يشترط ذلك، ثم ذكر مذهب سيبويه.
﴿ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ ﴾، وهي الحية الصغيرة التي يكثر اضطرابها، سميت جانّاً، لأنها تستر عن الناس. وقرأ الحسن، والزهري، وعمرو بن عبيد « جَأنٌّ » بهمزة مكان الألف، وقد تقدم تقرير هذا عند ﴿ وَلاَ الضآلين ﴾ [ الفاتحة : ٧ ] على لغة من يهرب من التقاء الساكنين، فيقول شأبَّة ودأبَّة. « وَلَّي مُدْبِراً » هرب من الخوف، و « وَلَمْ يُعَقِّبْ » : لم يرجع، يقال : عقب فلان : إذا رجع، وكل راجع معقب.
وقال قتادة : ولم يلتفت، فقال الله :﴿ ياموسى لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ المرسلون ﴾، يريد : إذا أمَّنتهم لا يخافون، وقيل : المراد إذا أرمتهم بإظهار معجز أن لا يخافوا فيما يتعلق بإظهار ذلك، وإلا فالمرسل قد يخاف لا محالة، لأن الخوف الذي هو شرط الإيمان لا يفارقهم، قال النبي - ﷺ - :« أنا أخاشكم لله »
قوله :« تَهْتَزُّ » جملة حالية من ( هاء ) « رآها »، لأن الرؤية بصريَّة، وقوله :« كَأنَّهَا جَانٌّ » : يجوز أن تكون حالاً ثانية، وأن تكون حالاً من ضمير « تَهْتَزُّ »، فيكون حالاً متداخلة، وقوله :« وَلَمْ يُعَقّبْ » يجوز أن يكون عطفاً على « وَلَّى »، وأن يكون حالاً أخرى، والمعنى : ولم يرجع على عقبه، كقوله :

٣٩٣٣ - فَمَا عَقَّبُوا إذْ قِيلَ هَلْ مِنْ مُعَقِّب وَلاَ نَزلُوا يَومَ الكَرِيهَةِ مَنْزِلا
قوله :﴿ إَلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنَّه استثناء منقطع، لأنَّ المرسلين معصومون من المعاصي، وهذا هو الظاهر الصحيح، والمعنى : لكن من ظلم من سائر الناس، فإنه يخاف فإنه تاب وبدل حسناً بعد سوء فإنِّي غفورٌ رحيمٌ.


الصفحة التالية
Icon