قوله :« قَالَتْ نَمْلَةٌ » هذه النملة هنا مؤنثة حقيقة، بدليل لحاق علامة التأنيث فعلها، لأن نملة تطلق على الذكر وعلى الأنثى، فإذا أريد تمييز ذلك قيل : نملة ذكر، ونملة أنثى، نحو : حَمامَة ويَمَامة. وحكى الزمخشري عن أبي حنيفة - رحمه الله - أنه وقف على قتادة وهو يقول : سلوني، فأمر من سأله عن نملة سليمان : هل كانت ذكراً أو أنثى، فلم ايجب، فقيل لأبي حنيفة في ذلك، فقال : كانت أنثى، واستدل بلحق العلامة.
قال الزمخشري : وذلك أن النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على المذكر والمؤنث، فيميز بينهما بعلامة، نحو قولهم : حمامة ذكر وحمامة أنثى، وهو وهي، انتهى.
وقد ردَّ هذا أبو حيان، فقال : ولحاق التاء في « قالت » لا يدلّ على أن الملة مؤنثة، بل يصح أن يقال في المذكر : قالت نملة؛ لأن نملة وإن كانت بالتاء هو مما لا يتميز فيه المذكر من المؤنث، وما كان كذلك كاليمامة والقملة ممابينه في الجمع وبين واحدة تاء التأنيث من الحيوان، فإنه يخبر عنه إخبار المؤنث، ( ولا يدل كونه يخبر عنه إخبار المؤنث ) على أنه ذكر أو أنثى، لأن التاء دخلت فيه للفرق لا للدلالة على التأنيث الحقيقي، بل دالة على اواحد من هذا الجنس، قال : وكان قتادة بصيراً بالعربية، وكونه أفحم يدل على معرفته باللسان إذ علم أن النملة يخبر عناه إخبار المؤنث وإن كانت تنطلق على الأنثى والذكر إذ لا يتميز فيه أحد هذين، ولحاق العلامة لا يدل، فلا يعلم التذكير والتأنيث إلا بوحي من الله، قال : وإنما استنباط تأنيثه من كتاب الله ب « قالت »، ولو كان ذكراً لقيل :« قال » فكلام النحاة على خلافه، وأنه لا يخبر عنه إلا إخبارا المؤنث، سواء كان ذكراً أم أنثى.
قال : وأما تشبيه الزمخشري النملة بالحمامة والشاة، فبينهما قدر مشترك يتميز فيهما المذكر من المؤنث فيمكن أن تقول : حمامة ذكر، وحمامة أنثى فتميزه بالصفة، وأما تميزه ب « هو » و « هي » فإنه لا يجوز، لا تقول هو الحمامة، ولا هو الشاة، وأما النملة والقملة فلا يتميز فيه المذكر من المؤنث، ولا يجوز فيه في الإخبار إلا التأنيث وحكمه حكم المؤنث بالتاء من الحيوان نحو : المرأة، أو غير العاقل كالدابة، إلا إن وقع فصل بين الفعل وبين ما أسند إليه من ذلك، فيجوز أن تلحق العلامة وأن لا تلحقها، على ما تقرر في علم العربية. انتهى.
قال شهاب الدين : اما ما ذكره ففيه نظر، من حيث إن التأنيث إما لفظي أو معنوي، واللفظي لا يتبر ( في لحاق العلامة ) البتة، بدليل أنه لا يجوز ( قامت رَبْعَةٌ وأنت تعني رجلاً، وكذلك ) لا يجوز : قامت طلحة، ولا حمزة - على مذكر - فتعين أن يكون اللحاق إنما هو للتأنيث المعنوي، وإنما يعتبر لفظ التأنيث والتذكير في بابا العدد على معنى خاص أيضً، وهو أنا ننظر إلى ما عاملت العرب ذلك اللفظ به من تذكير أو تأنيث من غير نظر إلى مدلوله، فهناك له هذا الاعتبار، وتحقيقه هنا يخرجنا عن المقصود وإنما نبهتك على القدر المحتاج إليه.


الصفحة التالية
Icon