وقال المفسرون : علم النمل أن سليمان نبي ليس فيه جبرية ولا ظلم، ومعنى الآية : أنكم لو لم تدخلوا مساكنكم وطئوكم ولم يشعروا بكم، وروي أن سليمان لما دخل وادي النمل حبس جنده، حتى دخل النمل بيوتهم. قال أهل المعاني : في كلام هذه النملة أنواع من البلاغة : نادت، ونبّهت، وسمت، وأمرت، ونصت، وحذرت، وخصت، وعمت، وأشارت، وأعذرت، ووجهه : نادت :« يا » نبهت :« ها » سمت :« النمل »، أمرت « ادخلوا »، نصت :« مساكنكم »، حذرت :« لا يحطمنكم »، خصت :« سليمان »، عمت و « جنوده »، أشارت :« وَهُمْ »، أعذرت :« لا يشعرون ».
قوله :« ضاحكاً » قيل : هي حال مؤكدة لأنها مفهومة من ( تبسم )، وقيل : بل هي حال مقدرة، فإن التبسم ابتداء الضحك، وقيل : لما كان التبسم قد يكون للغضب، ومنه تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الغضبان، أي تضاحكاً مسبباً له، قال عنترة :

٣٩٤٢ - لَمَّا رَآنِي قَدْ قَصَدْتُ أُرِيدُهُ أَبْدَى نَوَاجِذَهُ لِغَيْرِ تَبَسُّمِ
وتبسَّم : تَفَعَّلَ بمعنى بَسَمَ المجرّد، قال :
٣٩٤٣ - وَتَبْسِمُ عَنْ أَلْمَى كَأَنَّ مُنَوَّراً تَخَلَّلَ حُرَّ الرَّمْلِ دِعْصٌ لَهُ نَدِي
وقال بعض المولدين :
٣٩٤٤ - كَأَنَّمَا تَبْسِمُ عَنْ لُؤْلُؤٍ مُنَضَّدٍ أَوْ بَرَدِ أَوْ أَقَاح
وقرأ ابن السميفع :« ضحكاً » مقصوراً، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه مصدر مؤكد معنى تبسم، لأنه بمعناه.
والثاني : أنه في موضع الحال، فهو في المعنى كالذي قبله.
الثالث : أنه اسم فاعل كفرح، وذلك لأن فعله على فَعِل بكسر العين، وهو لازم، فهو كفرح وبطِر. قوله :« أن أشكر » مفعول ثان ل « أوزعني »، لأن معناه : ألهمني، وقيل معناه : اجعلني أزع شكر نعمتك، أي : أكفه وأمنعه حتى لا ينفلت مني، فلا أزال شاكراً، وتفسير الزجاج له بامنعني أن أكفر نعمتك من باب تفسير المعنى باللازم.

فصل


قال الزجاج أكثر ضحك الأنبياء التبسم، وقوله :« ضاحكاً » أي : مبتسماً، وقيل : كان أوله التبسم وآخره الضحك، قال مقاتل : كان ضحك سليمان من قول النملة تعجباً، لأن الإنسان إذا رأى ما لا عهد له به تعجب وضحك، وإنما ضحك لأمرين :
أحدهما : إعجابه بما دل من قولها على ظهور رحمته ورحمة جنوده وعلى شهرة حاله وحالهم في التقوى، وهو قولها :« وهم لا يشعرون ».
والثاني : سروره بما آتاه الله ما له يؤت أحداً، من سمعه كلام النملة وإحاطته بمعناه. ثم حمد سليمان ربه على ما أنعم عليه، فقال :﴿ رَبِّ أوزعني ﴾ ألهمني. ﴿ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعلى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصالحين ﴾
وهذا يدل على أن دخول الجنة ببرحمته وفضله، لا باستحقاق العبد، والمعنى : أدخلني في جملتهم، وأثبت امسي في أسمائهم واحشرني في زمرتهم، قال ابن عباس : يريد مع إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومن بعدهم من النبيين. فإن قيل : درجات الأنبياء أفضل من درجات الأولياء والصالحين، فما السبب في أن الأنبياء يطلبون جعلهم من الصالحين، فقال يوسف :﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بالصالحين ﴾ [ يوسف : ١٠١ ]، وقال سليمان :﴿ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصالحين ﴾ ؟.
فالجواب : الصالح الكامل هو الذي لا يعصي الله ولا يهم بمعصية، وهذه درجة عالية.


الصفحة التالية
Icon