ولكن عَارَضنا هنا أَنَّ قبلها حرف تنبيه آخر، وهو « أَلا » وقد اعتُذِر عن ذلك بأنه جُمِعَ بينهما تأكيداً، وإذا كانوا قد جمعوا بين حرفن عاملين للتأكيد، كقوله :
٣٩٥١ - فَأَصْبَحْنَ لاَ يَسْأَلْنْنِي عَنْ بِمَا بِهِ... فغير العاملين أولى، وأيضاً فقد جمعوا بين حرفين عاملين مُتّحدي اللفظ والمعنى كقوله :

٣٩٥٢ - فَلاَ وَاللَّهِ لاَ يُلْفَى لِمَا بِي وَلاَ لِلما بِهِمْ أَبَداً دَوَاءُ
فهذا أولى، وقد كثر مباشرة « يا » لفعل الأَمر، وقبلها « أَلاَ » التي للاستفتاح، كقوله :
٣٩٥٣ - أَلاَ يَا اسْلَمِي ثُمَّ اسْلَمِي ثُمَّتَ اسْلَمِي ثَلاَثَ تَحِيَّاتٍ وَإِنْ لَمْ تَكَلَّمِ
وقوله :
٣٩٥٤ - أَلاَ يَا اسْلَمِي دَارَ مَيٍّ عَلَى البِلَى وَلاَ زالَ مُنْهَلاًّ بِجَرْعَائِكَ القَطْرُ
وقوله :
٣٩٥٥ - أَلاَ يا اسْلَمِي ذَات الدَّمَالِيحجِ وَالعُقَد وذات اللثاث الحُمِّ والفَاحِمِ الجَعْدِ
وقوله :
٣٩٥٦ - أَلاَ يا اسْلَمِي يا هِنْدُ هِنْدَ بَنِي بَكْرِ وَإِنْ كَانَ حَيَّانا عِدًى آخِرَ الدَّهْرِ
وقوله :
٣٩٥٧ - أَلاَ يَا اسْقِيَانِي قَبْلَ خَيْلِ أَبِي بَكْر لَعَلَّ مَنَايانَا قَرُبنَ ولاَ نَدْرِي
وقوله :
٣٩٥٨ - أَلاَ يا اسْقِيانِي قَبْلَ غَارَةٍ سنجال... [ وقوله :
٣٩٥٩ - فَقَالَتْ أَلاَ يَا اسْمَعْ أَعِظْكَ بخطبةٍ وقلتُ سمِعْنَا فَانطِقِي وأَصِيبِي ]
وقد جاء ذلك وإن لم يكن قبلها « أَلاَ »، كقوله :
٣٩٦٠ - يا دَارَ هِنْدٍ يَا اسْلَمِي ثُمَّ اسْلَمِي بِسَمْسَمٍ أَوْ عَنْ يَمِينِ سَمْسَمِ
فعلم أنه قراءة الكسائي قوية، لكثرة دَوْرِها في لغتهم، وقد سمع ذلك في النَّثْر، سُمِعَ بَعْضُهم يقول : أَلاَ يَا ارحَمُوني، أَلاَ يا تصدَّقُوا علينا، وأما قوله :
٣٩٦١ - يَا لَعْنَةُ اللَّهِ والأَقْوَامِ كُلِّهِم والصَّالِحِينَ عَلَى سَمْعَانَ مِنْ جِارِ
فيحتمل أن تكون « يَا » للنداء، والمنادى محذوف، وأن يكون للتنبيه، وهو الأرجح لِمَا مَرَّ. واعلم أَنَّ الوقف عند الكسائي على « يَهْتَدُونَ » تام، وله أن يقف على « أَلاَ يَا » معاً، ويبتدىء « اسْجُدُوا » بهمزة مضمومة. وله أن يقف على « أَلاَ » وحدها، وعلى « يَا » وحدها، لأنهما حرفان منفصلان وهذا الوقفان وقفاً اخْتبارٍ لا اختيار، لأنهما حرفان لا يتم معناهما إلاَّ بما يتصلان به، وإنما فعله القراء امتحاناً وبياناً. فهذا توجيه قراءة الكسائي، والخَطْبُ وفيها سهل. وأما قراءة الباقين فتحتاج إلى إِمْعَان نظرٍ، وفيها أوجه كثيرة :
أحدها : أنَّ « أَلاَّ » أصلها : أَنْ لا، فأَنْ ناصبة للفعل بعدها، ولذلك سقطت نون الرفع، و « لاَ » بعدها حرفُ نَفْي، وأَنْ وما بعدها في موضع مفعول « يَهْتَدُونَ » على إسقاط الخافض أي : إلى أَنْ لا يسجُدُوا، و « لاَ » مزيدة كزيادتها في :


الصفحة التالية
Icon